بقلم عبدالله جعفر كوفلي/ باحث اكاديمي
الكرسي لا يخرج من كونه مجموعة من قطع الخشب او الحديد او أية مادة اخرى مترابطة مع بعضها البعض ليكون مقعداً مناسباً للجلوس بمظهر انيق وجميل وذا هيبة ووقار.
ان وجود الكراسي والمناصب ظاهرة طبيعية وضرورية لقيادة وخدمة المجتمعات في السلم والحرب ومهما كان شكل نظامها السياسي ودرجة رقيها وتطورها ومساحتها وعدد سكانها.
تتعدد اساليب وطرق تولي المناصب والاستحواذ على الكراسي بين الثورة والانقلاب وصناديق الاقتراع واختيار الاكفاء والأجدر لإدارتها، كل المناصب مهمة لان كل منها تلعب دوراً معيناً لخدمة الشعب، تختلف مدة البقاء عليها من نظام الى اخر، ومن الناس من يتولونه لمدى الحياة ويتمسكون به بكل ما أتو من قوة ولا يدعون المجال لغيرهم.
تلعب ثقافة المجتمعات دوراً كبيراً ومهماً في ترسيخ الظواهر الإيجابية والسلبية، منها الثقافة السائدة في بعض المجتمعات التي ترتبط كل معاني الرجولة والشجاعة بالتدخين اي ان الذي لا يدخن لا يعد رجلاً، ومنها أيضاً في الوقت الحالي ان صاحب السيارة ذات الزجاجات السوداء القاتمة واللوحات المزورة ولا يتوقف عند نقاط التفتيش او الترافيك ولا يلتزم بموقعه ضمن السيارات، هو السائق الشجاع والماهر والرجل المهيب وذو الكرامة، هذا ما يدفع القاصي والداني بالعمل ليكون رجلاً في عيون مجتمعه.
نقول مع الاسف الشديد والقلب يعتصر دماً ونحن نعد ونحدد مشاكلنا وما نعاني منه في سبيل معالجتها ونطرح الحلول، فلا يكاد مجتمع الا ويعاني من ترسبات ظواهر سلبية، من واجب كل ذي فكرة وقلم وريشة وحركة ان يجتهد ويكافح من اجل القضاء عليها ودعم الإيجابية منها.
من الظواهر السلبية المتفشية والمستفحلة بين ابناء الشعب الكوردستاني وكذا بين شعوب المنطقة برمتها، تعاملها مع المنصب والكرسي لا مع الأشخاص، اي ان احترامهم وتقديرهم يكون للمنصب لا لمن يتولاه، وهذا يعني ان حبهم لأي شخص يكون بقدر توليه للمنصب ومدة بقاءه على الكرسي، وليس لما يملكه الشخص المسؤول من خبرة وعطاء، لذا نراهم يتسارعون ويتنافسون فيما بينهم ليقدموا التبريكات ورفع برقيات التهنئة الى مقام السيد المسؤول ويشكلون طوابير طويلة للمصطفين حول كل منتصر وتختلط الكلمات الرنانة والجمل التي تملء الأفواه في المديح والثناء وباقات الورود تغطي المكان وعلى المناضد تتصادم انواع الحلويات والمعجنات والمشروبات الغازية والنادرة، ويقولون ان قرار تنصيبه متميز وجاء متأخراً لانه الخادم المنقذ الذي يحتاج اليه الشعب وان الأمثل والأجدر والأحسن لهذا المنصب، وأرقام هواتفه المتعددة تصبح عملة صعبة والحصول عليه يحتاج جهداً بعدما كان متوفراً للكل والسيد يرد على المكالمات عند الرنة الاولى، كل ذلك من اجل مصالحهم وكسب ود المسؤول والافتخار بعلاقاته معه بين الناس.
وما ان ينتشر اخبار نقل او إحالة ذلك المسؤول الى التقاعد الا ويبدأ الغالبية المتعودة بإعلان نقاط ضعف ذلك المسؤول وضرورة نقله لان بقائه ليس في خدمة الشعب وبات فاسداً ومتكبراً وانتهازياً ويمسحون رقم هاتفه من اجهزتهم بل لا يتصلون به.
جميع المسؤولين يعرفون سواء بالتجربة او السؤال ممن سبقوهم طبيعة هذا الشعب وأنهم يتعاملون مع المنصب والكرسي وليس مع الشخص مهما كان مخلصاً ونزيهاً وخادماً ويملك تاريخاً طويلاً في النضال ومضحياً، لذا ففي اليوم الاول يعمل ويجتهد من اجل ان يمد عمره على الكرسي ويكرس منصبه وعلاقاته لينال منصباً اعلى او البقاء فيه حتى اخر ايام حياته، ويحب الكرسي حب الشاب العاشق المجنون، وحب السمكة للماء الذي لا يمكن ان يعيش بدونه.
ينظر المسؤول الى الكرسي انه السلطة والفرصة الذهبية لجمع المال والجاه والاحتفاظ بالحشم والخدم والحراسات والسيارات الفاخرة والجلوس في الصفوف الأمامية عند مجالس العزاء والأفراح وكلامه مسموع والجميع يقفون عند رهن إشارته وليست وظيفة وقتية لا تتعدى سنوات وينتهي.
ثقافة مجتمعنا تكمن في المسؤول الذي يجعل من الكرسي اداة لخدمة الشعب بعيداً عن الروح الاستعلائية والفساد انه السفيه الذي لا يعرف مصلحته ولا يؤمن مستقبله.
ثقافة المجتمعات تلعب دوراً متميزاً في ترسيخ الظواهر بالإيجاب والسلب والذي يتولى منصباً يبقى متمسكاً بتلك الثقافة الا ما رحم ربي، ادعو الله العلي القدير ان يكون عوناً لنا في ازالة ومحاربة الثقافة الفاسدة والعادات البالية التي لا تخدم مسيرة شعبنا الكوردستاني الذي ذاق مرارة مؤامرات الأعداء الخارجين وعانوا من الثقافة والتقاليد الجوفاء، والله ولي التوفيق