بغداد (نقاش)- الراصد 24 ..
من أبرز نتائج العملية العسكرية التي شنتها قوات الجيش والفصائل الشيعية على المدن التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” في محافظة صلاح الدين، إنها رجحت كفة إيران على الولايات المتحدة في العراق.
في الأول من الشهر الحالي هاجم آلاف المقاتلين من الجيش وحلفائه من الفصائل الشيعية المعروفة بأسم “الحشد الشعبي”، المدن التي يسيطر عليها التنظيم المتشدد في صلاح الدين شمال بغداد، وحققت انتصارات فاجأت الجميع بما فيها الولايات المتحدة.
تنظيم “داعش” سيطر على مدينة تكريت مركز صلاح الدين بعد يومين على سقوط الموصل بيد التنظيم في العاشر من حزيران (يونيو) من العام الماضي، وبعدها بأسابيع سيطر على مناطق أخرى في صلاح الدين بينها مدن “العلم” و”الدور” و”البو عجيل”.
ولكن المفاجأة الكبرى إن القوات الأمنية والفصائل الشيعية تمكنت خلال أسبوع واحد فقط من تحرير “العلم” و”الدور” و”البو عجيل”، وهي تقاتل اليوم لتحرير آخر المناطق التي يتحصن فيها المتشددون وهي تكريت.
العقيد في الجيش سمير الساعدي قال “لم يكن أحد يتوقع أن نحقق هذه الانتصارات السريعة في صلاح الدين بينما فشلنا في استرجاع مدن صغيرة في الأنبار رغم شهور من القتال”.
وأضاف الساعدي لـ”نقاش” إنه لولا “الفصائل الشيعية والتخطيط الإيراني لما حصل الانتصار الكبير في صلاح الدين، حتى إن هذا الانتصار تحقق دون مساعدة جوية من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة”.
قوات “بدر” بزعامة هادي العامري و”عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، وهما مقربان من إيران كانت من أبرز الفصائل الشيعية المشاركة في العمليات العسكرية في صلاح الدين وهي التي تتزعم المعارك.
وتُظهر الصور ومقاطع الفيديو التي يلتقطها المقاتلون في المدن المحررة في صلاح الدين أعلام تابعة لهذين الفصيلين، ويتحدث المقاتلون بشعارات دينية شيعية معروفة.
الحكومة العراقية لم تطلب وللمرة الأولى دعماً أميركياً في هذه العملية العسكرية وهو ما أثار استياء الولايات المتحدة بشدة، وأعلن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأميركي إن “الحكومة العراقية لم تطلب الدعم الأميركي لمعركة تكريت”.
وعلى ما يبدو فإن إيران كانت تريد أن يُسجَّل الانتصار لصالحها فقط، وحاولت عدم تكرار طلب المساعدة من أميركا للجيش والفصائل الشيعية في تحرير مدينتي “امرلي” و”الضلوعية” قبل شهور.
وحققت ما كانت تصبوا إليه بالفعل فانتصار الجيش والفصائل الشيعية في معارك صلاح الدين تم احتسابه لصالح إيران التي كانت قريبة من المعارك عبر الميليشيات العراقية الموالية لها، كما إن قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني تواجد في أماكن القتال وفقا لوسائل إعلام إيرانية رسمية وعراقية.
وفي الأنبار غرب بغداد، شنت قوات من الجيش وبمساعدة فصائل شيعية عملية عسكرية أخرى في منطقة “الكرمة” التابعة لمدينة الفلوجة، في تطور عجيب لقدرات القوات الأمنية العراقية التي تقوم بعمليتين عسكريتين في آن معاً دون مساعدة طائرات التحالف الدولي.
لم تصمت الولايات المتحدة طويلاً على تجاهل الحكومة العراقية لها، وعلى وتنامي الدور الإيراني، حيث زار رئيس أركان الجيش الأميركي مارتن ديمبسي بغداد الاثنين الماضي وكشفت الزيارة حجم الانزعاج الأميركي من هذا التجاهل.
وفي تصريحات ديمبسي قبل ساعات من وصوله بغداد قال إن “تكثيف الضربات الجوية للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي خطأ لأنها ستزيد المخاطر على السكان المدنيين”، ولكن ديمبسي كان يوجه تهديداً مبطناً للحكومة العراقية كما يقول المحلل السياسي زياد أحمد.
زياد أكد إن “ديمبسي جاء إلى بغداد وهو يحمل رسالة واحدة وهي التهديد بسحب دعم التحالف الدولي للعراق بسبب تزايد نفوذ إيران في العراق عبر الفصائل الشيعية، وتصريحات ديمبسي في بغداد وبعد مغادرته تشير إلى ذلك بوضوح.
ابرز ما قاله ديمبسي إنه “من غير الضروري زيادة عدد العسكريين الأميركيين الموجودين في العراق حالياً والذين يبلغ عددهم نحو 2600 جندي يقومون بتدريب الجيش العراقي”.
وحذر ديمبسي بعد ساعات من مغادرته بغداد ووصوله إلى البحرين من “احتمال تفكك الائتلاف الدولي ضد التنظيمات المتطرفة، إذا لم تقم الحكومة العراقية بتسوية الانقسامات الطائفية في البلاد، كما إن العلاقات بين بغداد وطهران باتت تثير القلق”.
أما العراقيون فقد استقبلوا الانتصارات بفرح غامر وهم يشاهدون الجنود يمزقون أعلام “داعش” ذات اللون الاسود التي يصادفونها في الطرقات، ويلتقطون صوراً في مناطق استخدمها التنظيم قبل شهور لإعدام ضحاياهم، ولكن تصريحاً مفاجئاً لمسؤول إيراني عكَّر فرحتهم وأثار استيائهم.
علي يونسي وهو مستشار للرئيس الإيراني حسن روحاني قال خلال مؤتمر في طهران الأحد الماضي إن “إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت سابقاً وعاصمتها بغداد، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت عبر التاريخ”.
ويخشى العراقيون من تنامي الفصائل الشيعية في الملف الأمني، خصوصاً وإنهم يتذكرون الحرب الطائفية خلال عامي 2006 و2007 بعدما سيطرت الميليشيات الشيعية على المناطق وقامت بعمليات قتل واختطاف وسرقة دون قدرة الحكومة على محاسبتها.
تزايد النفوذ الإيراني في العراق من خلال عملية تحرير صلاح الدين، تزامن مع تنامي الدور الإيراني في دول أخرى مثل اليمن حيث لعبت دوراً في تحريك “الحوثيين” وتفتيت العملية السياسية في هذا البلد، كما إن دور إيران قوي في سورية، وأيضا في لبنان عبر “حزب الله”.
وعلى ما يبدو فإن الإيرانيين نجحوا في وضع أوراق تفاوضية جديدة في أيديهم بالتزامن مع المحادثات الجارية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بشان الملف النووي الإيراني.
المسؤولون الأميركيون مضطرون للحوار مع إيران إذا أرادوا تامين مصالح واشنطن في العراق، وعلى المجتمع الدولي والدول الخليجية الخائفة من الحوثيين، الحوار مع إيران أيضاً لتهدئة الأوضاع في اليمن، وعلى التحالف الدولي ضد داعش الذي يسعى حاليا لترتيب المعارضة السورية والبدء بمفاوضات مع بشار الأسد، الحوار مع إيران أيضا قبل كل شي.