حاورها / الراصد 24 :
وصفت الباحثة اقبال شرف الدين ، التقاليد البالية في العصر الحالي ، تاتي على قول الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان “هذه الارض امراة ، في الاخاديد وفي الارحام سر الخصب واحد.”، وان المرأة في صراع مع الأزمات الحالية والمستقبلية .
واكدت شرف الدين ، ان التوأمة الرمزية العالية بين المراة و الارض ، ليست من باب المصادفات وحدها ولا هي بنت خيال الشاعرة فحسب ، ولكنها تتغذى من غير قاسم مشترك ووجه للشبه ، فالمرأة ارض ثانية ، والارض امرأة اخرى ، كلتاهما تعطيان بلا حدود وتعيشان مخاضيهما بلا حدود ، وفي كل ثانية تمر، هناك ولادة ، وموت ، وقيامة ، وهناك ربيع يتهيأ للانبثاق ودم يتهيأ للتفتح .
وتابعت الباحثة ، نرى من خلال المرأة مستقبل العالم ، ففي كنفها تتربى الاجيال وتولد الرحمة ، وتبعث البشرية عن افق للنجاح والتقدم والتطور، ويختلف تمام الاختلاف عما نعيشه في عالمنا الراهن ، وانطلاقا مما تقدم ، اضحت قضية النهوض بالمرأة العربية وتطوير وضعها الى مستوى المكانة التي تستحقها ، باعتبارها اساسا للمجتمع وعنصراً فاعلاً وشريكاً كاملاً في التقدم والتنمية الشاملة والمستدامة ، واحداً من اهم القضايا العربية المعاصرة .
واشارت ، استحوذ وضع المرأة في العالم على اهتمام الامم المتحدة منذ السبعينات وعقدت العديد من المؤتمرات العالمية التي تعنى بالمراة وقضاياها ، واهم ما نتج عن هذه المؤتمرات ، “اعلان منهاج بيجين ” ، اضافة الى ما قامت وتقوم به اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) بالتعاون مع الامانة العامة لجامعة الدول العربية واليونيفيل (المكتب الاقليمي لغربي اسيا) ومركز المراة العربية للتدريب والبحوث (كوتر) ولجنة التنمية الاجتماعية التابعة للاسكوا المنبثق عنها “لجنة وضع المراة العربية ” .
ولفتت ، شهدت الدول العربية دعماً على اصعدة دولية ومحلية متعددة ، اضافة للدعم ان من ناحية التشريعات وان من ناحية مساهمة المنظمات الاهلية والمجتمع المدني في كثير من الدول العربية ، لكن بقيت هذه التطورات على اهميتها متباينة من دولة لاخرى ولم تصل الى مستوى تحقيق الاهداف المطلوبة و تنفيذ اهداف منهاج عمل بيجين (1995) الذي تمت الموافقة عليه من قبل جميع الدول العربية اسوة بدول العالم كلها . وما نشيد به على المستوى المحلي العربي للمطالبة بحقوق المراة و النهوض بوضعها ، ليس امرا مستغربا فعلى مر التاريخ .
واضافت ، منذ الحضارات القديمة وفي ظل الاسلام الحقيقي كانت المراة مكرمة ، والدين الاسلامي ينفي الهجوم على موقف المراة ، فالاسلام نادى بتكريمها وبالترفع بها ومنحها الحقوق والمكانة التي تؤهلها لمشاركة الرجل في بناء الحياة والتغيير من الناحية الانسانية على ثوابت انسانية رفيعة ، ذلك كله لا يعني انها في وضعها الراهن حاصلة على ما تستحق بالكامل ، حيث بقيت اوضاعها سيئة في مجالات عديدة وبقيت حقوقها وان شرعت مغلفة بهالة من التقاليد الجاحفة احيانا ، كما بقيت تتعرض لاشكال مختلفة من التمييز والحرمان و التهميش والعنف .
وذكرت الباحثة اقبال شرف الدين ،ابرز المحطات والانجازات على مستوى وضع المراة العربية ، ففي مستوى التعليم برز اهتمام الدول العربية بمسالة التعليم ، وانتشرت العديد من برامج التعليم ومحو الامية اضافة الى اعتماد العديد من الدول العربية سياسة التعليم المجاني و الالزامي للمراحل الابتدائية ، مما ادى الى انخفاض نسبة ومعدلات الامية في صفوف الاناث .
وعلى مستوى الصحة يوجدالعديد من الادلة والشواهد الدالة على تحسن مؤشر الصحة للمراة العربية ،الا ان الصحة الانجابية والاهتمام بالمراة ورعايتها خلال فترة الحمل و الولادة لم تصل للمستوى المنشود بعد ، كذلك المشاركة في الحياة الاقتصادية بدأت صورة التحسن النسبي لمشاركة المرأة في قوة العمل والحياة الاقتصادية ، لكن معدل مشاركتها ما زال منخفضا ، وما زالت تعاني عدم مساواة في قوانين العمل .
وايضاً المراة العربية في الاسرة ، تعتبر الاسرة نواة المجتمع ، ويختلف تكوينها مع اختلاف الانظمة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتبعة ، انما تبدو هوية المرأة في منظومة الاسرة غير منصفة بالكامل ، علما ان هنالك بعض الدول مثال تونس والمغرب ومصر و الاردن ودول اخرى ، عدلت قوانين الاحوال الشخصية بالحد الذي يصبح اكثر انسجاما مع حقوق المراة المعترف لها بها من الناحية الدينية مع حقها كمواطنة .
وفيما يتعلق في العنف ضد المرأة ، تعرف الامم المتحدة العنف على أنه ” اي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عليه اذى او معاناة للمراة ، سواء من الناحية الجسمية اوالجنسية او النفسية ، بما في ذلك التهديد بافعال من هذا القبيل او القسرالحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة اوالخاصة ” ، يصعب احصاء حالات العنف الممارس ضد المراة في الدول العربية غالبا لاسباب ترتبط بالصورة الاجتماعية والخوف وعدم القدرة على المجاهرة بالمشاكل ، التستر و التساهل ، واحيانا عدم امكانيتها على تجاوز المشكلة فترضخ وتستسلم لعدم قدرتها على التغيير والخروج من واقعها الاليم .
وشددت ، صدحت في السنوات الاخيرة الكثير من الخطوات الايجابية كمحاولة للحد من العنف تجاه المراة ونذكرفي لبنان ، اقر المجلس النيابي اللبناني قانونا يرمي الى حماية النساء وسائر افراد الاسرة من العنف الاسري ، وبات نافذا منذ تاريخ 15-5-2014 ، يهدف الى تجريم العنف الاسري باشكاله كافة ، خاصة تجاه المراة والى انشاء جهاز متخصص لهذه الغاية لدى قوى الامن الداخلي وامكانية تحريك الشكوى عن طريق الاخبار ، واصدار امر حماية معفى من الرسوم ، و ابعاد المدعى عليه عن المنزل ان كان وجوده يشكل خطراً على حياة الضحية واطفالها ، اضافة الى استحداث صندوق مالي حكومي لمساعدة ضحايا العنف الاسري ، وفي سوريا كفل قانون العقوبات السوري حق المرأة من ناحية المعاقبة على الاتجار بالنساء والعنف تجاههن ، من ناحية فتح اماكن للدعارة وفرض قوانين صارمة بشان المروجين والمحرضين على ارتكابها ،ويطال العقاب الشروع في ارتكاب الجرم ايضاً ، كما شمل قانون العقوبات السوري العنف ضد المراة كجريمة الاغتصاب ،مع تشديد عقوبات صارمة بهذا الصدد ، اضافة الى ان الفانون يكفل آليات التطبيق لروح هذه المادة بحيث تتمكن النساء من رفع الدعاوى امام القضاء وفق احكام القانون .
اما في المغرب ، تم تطوير استراتيجية وطنية لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي (صندوق الامم المتحدة –تقرير عامي 2001-2002) ، والجزائر تم انشاء مشروع معالجة الصدمات النفسية لضحايا العنف ، فضلا انه تضمن اهدافا لزيادة الوعي ضد العنف وبناء استراتيجية وطنية لمكافحته ، و فلسطين تم انشاء مشروع لتمكين المراة الفلسطينية ضد العنف من خلال برامج للتدريب والتوعية و التمكين .
وبشأن المشاركة السياسية و صنع القرار نوهت ، تتداخل المشاركة السياسية مع الحقوق الوطنية ومشاركة المراة في السياسة وصنع القرار هو تعبير عن ممارستها لحقها كمواطنة ، واحرزت بعض الدول العربية تقدما محدودا بهذا المجال ، لكن مقارنة بالدول المتقدمة وحتى بعض الدول النامية ، فانه تقدما ما زال متواضعا جدا يبين ان الطريق ما زالا طويلا امامها لتتمتع بكامل حقوقها على هذا الصعيد .
وبينت ، تعني السياسة رعاية شؤون الامة في مجالاتها الحيوية كافة ، وهي مسؤولية اجتماعية عامة ، اي هي مسؤولية يعنى بها افراد المجتمع نساء ورجالا ، مسؤولية الجميع وليست حكرا على الرجال دون النساء او العكس وقد ظهر ذلك جليا في الاديان السماوية التي اكدت على اهمية مشاركة المراة ، ولعل من اوضح الادلة على دورها وحقوقها السياسية في الاسلام ، ما جاء في ايات الولاية والولاء العامة الدالة والشاملة للرجال والنساء ، قال تعالى” يايها الذين امنو اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم انزل ” (النساء) .
وكما اكدت الديانة المسيحية ، على قدسية دور المراة وعلى تدخلها الرئيسي بالشؤون حيث بينت المسيحية ان الله قد اختار المراة كي يحقق الخلاص ، وتظهر المواقف ان المسيح عليه السلام قام باول معجزة له بطلب من امه مريم (ع)
، ولن نطيل الكلام بهذا الصدد ، انما اردنا مما سبق الايضاح ان الديانات كافة كانت دوما داعمة لدور المراة في كافة المجالات لا سيما قيادة مسيرة شؤون المجتمع ، اي ضمنيا السياسة .
وهنا ومن هذه الاسس ، نفهم ان الحياة السياسة مفتوحة امام المراة من الاعلى ، من الاديان بالدرجة الاساسية ، بالتالي فان اي تقصير بمشاركتها السياسية انما هو متصل بالقوانين و التشريعات ، و علينا الا ننسى ان من يسن التشريعات هم الرجال ، ويالتالي لن يلفتوا بالضرورة الى خصوصية المراة في هذا المجال ، بل ان المشرعين غالبا ما يفصلون التشريعات وفق ما ترتأي حاجاتهم ومصالحهم ، لذا نقول من واجب المراة الالتفات دوماً الى قضاياها متحلية بالعلم والصبر .