بقلم ..أيوب بابو بارزاني ..
احتجاجات عام 2019 أرغمت حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة. وتعهُّدت حكومة تصريف الأعمال برئاسة الكاظمي إجراء انتخابات مبكرة وكان التوقع السائد هو أن انتخابات تشرين الأول/أكتوبر في العام الماضي ستؤدي الى التغيير المنشود، صدق الكثيرون بأهمية الانتخابات لمعالجة أمراض العراق المزمنة سواء بحسن النوايا أو بسذاجة سياسية. وجاءت نتيجة الانتخابات صادمة للكتل الشيعية وللشعب الكردي الذي قاطع بالأكثرية الانتخابات احتجاجا على الإدارة الفاسدة لحكم العوائل.
فبعد مضي حوالي عشرة أشهر ازداد نفوذ الكتل السياسية على حساب عجز الدولة في اجراء الإصلاحات ولم تختف مظالم المحتجين الذين تظاهروا في عام 2019، وتدنت هيبة الدولة داخليا وخارجيا وتصاعدت التدخلات والهجمات المباشرة من قبل الدول الجارة وبالأخص تركيا.
بسبب الخلافات المتعددة الأوجه بين زعماء المكونات السنية والشيعية والكردية على تقاسم المناصب والجشع اللامحدود للمال أن أوقعوا البلد في مأزق سياسي خطير.
فالأحزاب السنية العربية تعثرت، فاستخدمت تركيا نفوذها وضغطوا لكي يتولى محمد الحلبوسي رئاسة البرلمان ونجحوا في مسعاهم.
كما أن العوائل الحاكمة في كردستان لم تحسم خلافاتها فيما يتعلق بمنصب رئاسة الجمهورية وفق نظام المحاصصة مما أطال أمد الأزمة. ولم تستخدم واشنطن نفوذها القوي على الأسر الكردية الحاكمة “ويشمل مساعدات سنوية مباشرة تبلغ 240 مليون دولار. ” أي 20 مليون دولار شهرياً.
أما زعماء الشيعة فقد استفاق بعض منهم متأخرا على حجم المؤامرة التي خطط لها بعناية من الخارج وبالتعاون مع أدواتها في الخليج وبسلاح صناديق الاقتراع. وأدركوا أن الانتخابات يمكن أن تكون أداة لصناعة الأزمات وتهميش الخصوم.
في حالات كثيرة، لا تخدم الانتخابات سوى إعطاء الأنظمة الاستبدادية قشرة من الشرعية. ولكن الانتخابات غير النزيهة لا توفر للفائزين الشرعية، وللخاسرين الأمن، وللجمهور ثقة في قادتهم ومؤسساتهم. وهذا يجعل الأنظمة السياسية هشة، ويؤدي بالجماعات الساخطة الى إيجاد قنوات أخرى قد لا تكون بناءة.
ثلاث عقود من حكم الأسر الحاكمة في أربيل وحوالي عقدين من تجربة الحكم في بغداد يكشف تجذر المحاصصة الطائفية والأثنية والسياسية. ففي إقليم كردستان الغني بثرواته، أصبحت السلطة أكثر فساداً ونهبا للمال العام وأكثر جرأة في اظهار نوايا توريث الحكم وأكثر استبدادية وعدوانية للحريات العامة وحق التظاهر السلمي، وأكثر مكيافيلية وتبعية للمشاريع الخارجية، وفي الوقت الذي تثقل الديون كاهل الإقليم – أكثر من 28 مليار دولار – يزداد الثراء الفاحش للأسر الحاكمة وأزلامها. لاوجود للدولة ومؤسساتها.
ذكريات الحرب الأهلية هي مؤلمة وقد تحمل الشعب الكردي جميع تبعاتها ولم يصب الذين أشعلوها بأذى. ففي 19 أيار/مايو 1992، أدلى الشعب الكردي بصوته في أول عملية انتخابية مزورة. وفي غضون عاميْن، بدأ قادة الأحزاب الحاكمة حرباً أهلية لم تنته إلا بعد تدخل واشنطن في عام 1998. راح ضحيتها الآلاف من أبناء شعبنا الخارج لتوه من عمليات الإبادة الجماعية لنظام صدام حسين.
ويبدوا ان الشيعة في العراق كانوا على وشك الدخول في حرب أهلية مدمرة نهاية شهر أغسطس المنصرم، نتيجة غايات وأطماع شخصية، لحسن الحظ تم تفاديها في اللحظات الأخيرة.
لابد من التمييز في الأزمة السياسية الراهنة بين صراعات الأسر الحاكمة والتكتلات واحزاب السلطة المسلحة والتي تحصنت خلف جدار المحاصصة، فهي صراعات حول تقاسم المناصب والثروة فيما بينها، وبين مطالب الملايين من أبناء الشعب في إقامة دولة المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وانهاء الاحتلال الأجنبي. بدون الفصل بين هذين المشروعين ستقع الحركة البديلة في أخطاء مميته. أما في إقليم كردستان فلن تقبل الأسر الحاكمة بنتائج الانتخابات ان لم تكن في صالحها وهي مهيأة لاستخدام السلاح للبقاء في السلطة.
ومما سبق، نستنتج أن المشاركة الشعبية الواسعة مع رموز السلطة الفاسدين في العملية الانتخابية يعني مشاركتهم في صراعاتهم الضيقة الشخصية أو الطائفية أو العشائرية، ينبغي أن يكون هناك وعي شعبي في تجنب الوقوع في هذا الفخ المميت المنصوب لهم بدقة.
ففي إقليم كردستان ومنذ البداية جرت كافة الانتخابات في أجواء من القمع يصل الى جريمة القتل والخطف والتزوير. فقد هيمنت الاسر الحاكمة على السلطة السياسية ودعمتها بعشرات الآلاف من المسلحين وبجهاز الأمن وقوات الشرطة وبالمال السياسي، حيث السيطرة التامة على مصادر الطاقة والتجارة في كردستان ومعظم وسائل الاعلام السمعية والمرئية والمكتوبة… في الإقليم تعتبر الانتخابات مجرد مهزلة ولم تأتي بجديد. ولذا لا مفرّ من البحث عن البديل خارج أحزاب ورجال السلطة المكبلين بقيود الفساد.
اننا بحاجة الى:
*قيادات وطنية كفؤة جديدة واعية لمتطلبات المرحلة الراهنة (الكتلة التاريخية الصلبة).
*تقديم مشروع جريء للخروج من الأزمة الحالية ومتفق عليه من قبل قوى التغيير الوطنية.
*جبهة شعبية جديدة مقابل سلطة الفساد والمحاصصة الكردية والعربية.
*تشكيل خلايا عمل في كافة المحافظات العراقية وربطها بمركز متفق عليه.
*العمل على توسيع رقعة الاحتجاجات الشعبية السلمية والحضارية لتغطي كافة المحافظات والأقضية في إقليم كردستان وبالأخص في أربيل لما لها من أهمية على الصعيد الداخلي والخارجي.
*العمل على كسر جدار الخوف وخاصة في أربيل.
*تحويل الاحتجاجات الى مشروع سياسي واقعي عابر للطائفية والحزبية والعشائرية، وقادر على إزاحة الفاسدين داخل جميع مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
*وضع خطط لكسب الجماهير التي انخدعت بالدعاية الحزبية المضللة.
*العمل على اشراك الجاليات العراقية في جميع أنحاء العالم.
*وعقد تحالفات إعلامية وتنسيق مع شبكات التواصل الاجتماعي في الداخل والخارج لشن حملات توعية لرص الصفوف والعمل المشترك لتقوية مشروع التغيير.
*دراسة انتفاضات العالم العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واستخلاص العبر منها للحالة العراقية.
*دراسة ظاهرة الاحتجاجات الجماهيرية السلمية التي توجت بالنجاح مثل سريلانكا وإمكانية استخلاص دروس للعراق.