في السادس عشر من آذار/ مارس عام 2021، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي وألسنة المواطنين بخبر وفاة أشهر جرّاحي العظام والكسور في العراق. لم تكن لشهرته الواسعة يد في هذه الضجة، بقدر ما كانت لها علاقة بديانة الراحل. فالدكتور ظافر فؤاد إلياهو الذي توفي عن عمر ناهز 62 عاماً إثر عارض صحي، هو آخر طبيب يهودي ينتمي إلى الطائفة الموسوية في العراق.
تخرّج إلياهو من كلية الطب في بغداد عام 1984، وعمل منذ تخرجه في مستشفى الواسطي الذي نعاه على صفحته في فيسبوك، وهو المستشفى ذاته الذي أدارته والدته الراحلة، فيوليت شاؤول، قبيل تقاعدها.
لُقّب الدكتور الفقيد بطبيب الفقراء، بسبب إنسانيته في التعامل مع المرضى، ومعالجته الفقراء والمتعففين مجاناً، فضلاً عن حسن تعامله مع زملائه، إذ يروي سعد الملا (53 عاماً)، أن الدكتور الراحل تنازل عن أجور علاج ابنته التي تعاني من ضمور العظام، متحدثاً عن مراجعته الكثير من الأطباء قبله، من دون فائدة.
كما لُقّب إلياهو بـ”السيد”، وهو لقب يطلقه العراقيون على نسل الإمام موسى الكاظم، بسبب وجود كلمة موسوي في خانة الديانة المرفقة بهويته المدنية، حتى ظنّ الكثيرون أن الموسوي لقبه العشائري.
الدكتور ظافر فؤاد إلياهو الذي توفي عن عمر ناهز 62 عاماً، هو آخر طبيب يهودي ينتمي إلى الطائفة الموسوية في العراق، ولُقّب بطبيب الفقراء، بسبب إنسانيته في التعامل مع المرضى، ومعالجته الفقراء والمتعففين مجاناً
استهداف الطائفة الموسوية
استغل الطبيب هذا اللقب لإبعاد شبح العنصرية الدينية عنه، والتمسك بوجوده في بلده، حسب مصادر محلية مقربة منه، وتؤكد ذلك الكثير من المصادر الإخبارية التي تدل على رفضه عروض الهجرة، على الرغم من الخوف المستمر من استهدافه وتصفيته كبقية أقرانه الموجودين في البلد.
شهد العراق منذ عام 2003، استهدافاً منظَّماً لأبناء الطائفة الموسوية، واتهامهم بالصهيونية والعمالة، على الرغم من عداء الطائفة لهذا التوجه السياسي، كما تعرّضوا لشتى أنواع الاضطهاد السياسي والديني، ودفعهم ذلك إلى الهجرة خارج البلد حتى لم يتبقَّ منهم سوى ثمانية أفراد، حسب تقارير منشورة في عام 2009، وقد تقلّص هذا العدد إلى إثنين فقط، وهما أخت الطبيب الراحل وزوجها اللذان يخفيان هويتهما الحقيقية.
الطائفة الموسوية هي إحدى الطوائف اليهودية المعارضة لعودة اليهود إلى فلسطين.
والطائفة الموسوية هي إحدى الطوائف اليهودية المعارضة لعودة اليهود إلى فلسطين، وتختلف الآراء حول سبب تسميتها بهذا الاسم، إذ يقال إنه بسبب تمسّكهم بتعاليم موسى الصحيحة، ويذهب البعض إلى الاعتقاد بانحدارهم من نسل موسى الكليم.
وكان اليهود يشكّلون نحو 20% من سكان بغداد في ثلاثينيات القرن الماضي، وقد تضاءل هذا العدد عام 1941، عقب الفوضى التي استهدفتهم إبان إسقاط حكومة رشيد عالي الكيلاني الموالية للنظام النازي، وهجوم الموالين لها على بيوت اليهود وقتلهم ونهب ممتلكاتهم، وهو ما يُطلَق عليه عمليات “الفرهود” التي أنهتها القوات البريطانية وقتها، حسب الباحث في التاريخ عماد الجبوري.
ويرى الجبوري أن اليهود تعرضوا لاضطهاد آخر إثر الحرب العربية الصهيونية عام 1948، التي يطلق عليها المؤرخون “الفرهود الثانية”، وتُعدّ السبب الرئيسي في هجرة أكثر من 95% من يهود العراق، وينوّه الباحث في التاريخ، لرصيف22، بأن الحكومة عمدت إلى إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود المغادرين فحسب، على عكس ما يشاع حول سحبها من جميع يهود العراق، مستدلّاً على ذلك بمن بقي من أفراد الطائفة، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن الاضطهاد الذي لاقته هذه الفئة دفعها إلى تفضيل الهجرة على البقاء في حياة أشبه بالسجن كما يصفها.