الموصل – الراصد 24 ..
بعد نحو 8 أشهر من استيلاء تنظيم «داعش» على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى (شمال العراق) ضاق سكان ثاني اكبر مدينة عراقية ذرعا من مضايقات المتشددين ولائحة ممنوعاتهم التي حولت حياتهم الى جحيم لا يطاق مع تشكيل ابعد ما يكون عن معنى «الدولة».
وبعد ان آل الامر الى «داعش» في الموصل على اثر طردها ومطاردته لجماعات سنية مسلحة من بينها «جيش الطريقة النقشبندية» القريب الى «حزب البعث العربي الاشتراكي» (بزعامة عزة الدوري نائب الرئيس العراقي الاسبق) ممن ساهموا معه بالسيطرة على المدينة 10 حزيران 2014، بعد فرار عشرات الالاف من الجنود في انهيار دراماتيكي للجيش العراقي، فرض التنظيم رؤيته الدينية المتشددة على سكان المدينة مع استراتيجيته «الوحشية» في اثارة الذعر في اوساط المدنيين.
في هذا التحقيق، ترصد «الراصد 24 « من خلال مصادر خاصة وشهود عيان في مدينة الموصل الحياة في ظل حكم أبو بكر البغدادي الذي عين نفسه خليفة وأعلن تأسيس «الدولة الإسلامية» واتخذ من الموصل عاصمة لدولته هذه.
الموصل كأنها قندهار
تحولت مدينة الموصل الى ثكنة عسكرية لالاف المتطرفين من شتى ارجاء العالم وتحولت الى نقطة جذب لهم كونها عاصمة ما يطلقون عليها «الدولة الاسلامية» التي اعلنها زعيم التنظيم ابو بكر البغدادي، وبات اللون الاسود هو السائد، إذ فرض على النساء واصطبغت به البنايات وارتداه المسلحون واصبح السلاح هو الحكم.
وتعد محافظة نينوى ثاني أكبر مدن العراق وتبعد عن بغداد 402 كم ويبلغ عدد سكانها اكثر من 4 ملايين ونصف المليون نسمة يقطن نصفهم تقريبا في مدينة الموصل التي تلي بغداد من حيث الاهمية، كونها تشتهر بالتجارة مع الدول القريبة مثل سوريا وتركيا، كما ان أغلبية سكان الموصل هم من العرب السنة الذين ينحدرون من خمس قبائل رئيسية هي شمر والجبور والدليم وطيء والبقارة، وفيها أيضا مسيحيون ينتمون إلى عدة طوائف وكذلك أقليات من الأكراد والتركمان.
وتحولت الحياة في مدينة الموصل الى سجن كبير مع التعليمات المتشددة التي اصدرها التنظيم المتطرف فاغلب النساء لزمن بيوتهن ومنعن من العمل والدراسة، كما اصبح مظهر العديد من الشباب موائما مع مظهر عناصر التنظيم، فأطالوا لحاهم وارتدوا اللباس القندهاري المميز ضمن الزي الافغاني والذي يفضله عناصر مع حملهم لاسلحة رشاشة وتجوالهم بسيارات من دون ارقام.
وفرض تنظيم «داعش» تصرفات اجتماعية لم تكن سائدة في المدينة التي تشتهر بالحياة المدنية في العراق، فلم يعد الوضع كما كان عليه قبل حزيران، حيث أغلق التنظيم الكنائس والاديرة ومنع فيها صوت الأجراس وتم ترحيل مئات المسيحيين قسرا، في حين بات بيع الجواري من الايزيديات اللاتي تعرضن للسبي بعد احتلال مدينة سنجار مألوفا، كما ان التعاليم المتشددة طالت المسلمين الذين يواجهون بمفردهم مصيرا مجهولا مع التنظيم الذي يتلاعب بحياتهم ونسق معيشتهم المعتاد كيفما يشاء، فتغيرت عادات الزواج في عهد «الخليفة»، وغابت لقاءات العشاق خلسة عن متنزهات المدينة.
ويقول احمد الموصلي (اسم غير حقيقي) احد سكان الموصل ممن اختاروا البقاء في المدينة، لـ»الراصد 24»، ان «الزواج في عهد خليفة داعش بات مختلفا عمّا كان سائدا فلم يعد تسجيله في المحكمة مطلوبا لان المحاكم تم اغلاقها والاستعاضة عنها بالمحاكم الشرعية يشرف عليها فقهاء من عناصر من التنظيم».
ويضيف ان «الزواج الذي يجري عقده في المحكمه الشرعيه يتم وفق شروط منها ان يكون الزوج مواضبا على الصلاة مع حلف اليمين على ذلك وان لم يكن من يرغب بالزواج يواضب على الصلاة فان القرار يكون بذهابه لاقرب جامع واداء الصلوات الخمس فيه لمده اسبوع بعدها يقدم شيخ الجامع ورقه مختومة ترسل الى القاضي ليتمم اجراءات الزواج « لافتا الى ان « التنظيم وضع الكثير من ائمة المساجد تحت الاقامة الجبرية لرفضهم مبايعته».
ويشير الى ان «التنظيم يفرض على راغب الزواج ان يقدم مهرا رمزيا جدا بسيطا واغلب الزيجات تقام في المنازل وسط تكتم كبير بعد ان تم اغلاق قاعات المناسبات المنتشرة في المدينة«، موضحا ان «هناك مغريات وامتيازات كبيرة للمقاتلين في تنظيم داعش من الراغبين في الزواج من بعض النساء سواء المطلقات او الارامل او كبيرات السن حيث يتم منحهم هدية مالية مقدارها 1200 دولار مع منزل مؤثث من بيوت المسيحيين وغيرهم من الاقليات الهاربة مع منحهم مخصصات على الراتب منها 100 دولار لكل زوجة و50 دولار لكل طفل مع منحهم الحق بالاحتفاظ بـ 4 جوار من النساء الايزيديات خصوصا من اللاتي تعرضن للسبي على يد التنظيم».
ولم يعد غريبا تصرفات عناصر التنظيم المنتمين الى «الحسبة« الا ان الغريب بالامر هو ابتكارهم لتشكيل نسائي جديد يطلق عليه اهل الموصل اسم « عضاضات داعش» وهن نساء اغلبهن مغربيات الجنسية يقمن بـ « عض» او «قرص« النسوة من ايدهن او مناطق حساسة من اجسادهن اثناء مسيرهن في اسواق الموصل عقابا للمخالفات منهن لارتداء الزي الشرعي او الخمار حيث تم نقل العديد من النسوة الى المستشفيات لعلاجهن من الجروح التي سببت لهن نزيفا حادا.
انهيار اقتصادي
وفيما كانت المدينة مزدهرة قبلاً، فإن الوضع الاقتصادي شهد تدهورا كبيرا تصاعدت معه حدة التذمر الشعبي من ارتفاع الاسعار بشكل جنوني مع افتقاد الاسواق الى انواع من المواد الغذائية على الرغم من استيراد الفواكه والخضر من سوريا. وفيما منع التدخين وعوقب كل من يدخن، فقد زاد سعر علبة السكائر الى 3 أضعاف.
وافتقدت المدينة الى الخدمات مع نقص واضح في الماء الصالح للشرب وانقطاع شبه تام للتيار الكهربائي وعاد اغلب سكان المدينة الى استخدام ادوات الطبخ البدائية التي تعتمد على النفط رغم ارتفاع اسعاره.
واصبح امر معتادا التنقل بين جانبي الحدود بين الموصل ومدينة الرقة لغرض شراء المواد الغذائية والمستلزمات الضرورية بعد انتعاش خط النقل بين الجانبين فيما فرضت الاوضاع الاقتصادية الصعبة على اصحاب الورش الصناعية اللجوء الى تصليح الاسلحة المتوسطة والثقيلة بانواعها كما تحولت بعض ساحات وقوف السيارات الى مراكز للتفخيخ.
ويواصل تنظيم «داعش» تدمير البنى التحتية وافراغ ونقل معدات المنشأت الكبرى الى سوريا، حيث تم قبل ايام نقل مولدات ومعدات حساسة من المحطة الغازية الضخمة في الموصل الى سوريا تمهيدا لتفكيكها بينما انشغل اخرون من عناصر التنظيم بجمع قصص الاطفال والكتب من مكتبة الموصل المركزية ومكتبات اخرى لحرقها.
ومع ان اغلب سكان الموصل يرون بان الوضع يفوق الخيال بوجود «داعش» الا ان اغلبهم يتوقعون انهيار التنظيم المتطرف بين ليلة وضحاها وبذات الطريقة التي دخل فيها مدينتهم.
جيشا «دابق» و«الفرسان»
واستقصت «الراصد 24 » معلومات تفيد بقيام «داعش» بانشاء تشكيلات عسكرية جديدة استعدادا للمعركة المرتقبة التي تستعد لتنفيذها القوات العراقية بدعم التحالف الدولي من اجل استعادة المدينة.
ومنذ اب الماضي عقب انطلاق غارات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على معاقل تنظيم «داعش» تحول المتشددون الى مرحلة الدفاع عن الموصل من خلال تعزيز الاجراءات الامنية في المدينة ومحيطها والاستعانة بالمجندين لتعويض النقص في صفوف مقاتليهم بعد الخسائر التي تعرضوا لها على اكثر من جبهة ومحور سواء في المعارك الدائرة مع البشمركة الكردية او مع الجيش العراقي المدعوم بالمليشيات الشيعية.
وتقول المصادر ان «تنظيم داعش تلقى اوامر قبل اقل من شهر من زعيمه ابو بكر البغدادي بتشكيل جيش جديد حمل اسم «جيش دابق« وتم نشر عناصر الجيش على حدود الموصل مع اقليم كردستان لقتال قوات البشمركه الكردية بالاضافة الى تشكيل جيش داخل الموصل اطلق عليه اسم «فرسان الحرب«، فيما تم سحب عناصر الشرطة الاسلامية من داخل المدينة ونشرهم على جبهات القتال».
وتكشف المصادر ان «عناصر «فرسان الحرب« يتمتعون بالخبرة القتالية الكبيرة كونهم شاركوا في اغلب معارك التنظيم في سوريا وحتى في مناطق اخرى من العالم ويقدر عددهم بـ3 آلاف عنصر من جنسيات عربية واجنبية مختلفة مع وجود عدد محدود جدا من المقاتلين العراقيين».
وتشير المصادر الى ان «التنظيم نشر منذ تشرين الثاني قوة خاصة يرأسها ابو عمر الشيشاني الذي قدم من مدينة الرقة حيث تمتاز تلك القوة بشدتها وتشبه الامن الخاص لحماية مقار واماكن سكن قيادات تنظيم «داعش« المتواجدين في الموصل».
وخلال الاشهر الخمسة الماضية خسر التنظيم المتطرف عددا كبيرا من ابرز قياداته ومن بينهم والي الموصل المعروف بـ «الحمدوني» كما قتل المئات من عناصرهم اثناء تنقلهم او خلال حضورهم اجتماعات سرية.
وتؤكد شخصية نافذة تقيم في الموصل لـ»الراصد 24« ان «اغلب الضربات الجوية لمقاتلات التحالف الدولي كانت دقيقة واطاحت رؤوسا كبيرة في التنظيم وقيادات مهمة بعضها قتل اثناء تجواله في مركبته الخاصة كما ان كثيرا من عملياتهم الحربية السرية المتعلقة بالهجوم على بلدات محاذية لاقليم كردستان تم احباطها من قبل القوات البشمركة».
وتضيف الشخصية التي فضلت عدم الكشف عن اسمها لدواع امنية ان «الضربات الموجعة التي تعرض لها التنظيم يشير الى وجود اختراقات واسعة في صفوف المتشددين وهو ما دفع الجهات الامنية العليا في «داعش« الى منع عناصر التنظيم من استخدام اي وسيله اتصال مهما كانت الظروف بالاضافة الى سحب اجهزة هواتفهم النقالة التي يبدو ان خبراء الاتصالات في التحالف الدولي تمكنوا من اختراق شبكة اتصالات التنظيم«.
مقاومة داخل المدينة
وعلى الرغم من اطباق التنظيم المتشدد على الموصل وخوف المدنيين من عقوباته القاسية لما يمتلكه من عناصر محترفة تنتمي الى اجهزته الاستخبارية، الا ان التأييد بات متزايدا لـ «المقاومة الوطنية او الشعبية» المتصاعدة في الموصل حيث تم تنفيذ العديد من العمليات المسلحة ضد عناصر ونقاط تفتيش تابعة لـ»داعش« وهو ما دفع التنظيم الى تنفيذ عمليات اعدام لمن يشك بولائه او من المنتمين سابقا للاجهزة الامنية حتى لو كانوا يحملون وثائق تثبت «توبتهم» بعد سقوط الموصل.
وتعمل «مقاومة الموصل» في خلايا صغيرة العدد وتعتمد اسلوب الاتصال الخيطي بين عناصرها، وهو ذات الاسلوب الذي كان يعتمده تنظيم «داعش» ومن قبله تنظيم «القاعدة» في عملهما المسلح ضد السلطات العراقية. فتلك الخلايا تنتمي الى «فصائل مسلحة وحزب البعث او النقشبندية» كما ان بعضهم كان يعمل في الاجهزة الامنية قبل سقوط الموصل، لكن العدد الاكبر منهم يواصلون التدريب في معسكر يقع قرب محافظة دهوك التابعة لاقليم كردستان ويشرف محافظ نينوى اثيل النجيفي على المعسكر الذي يضم نحو مقاتل اغلبهم من الشرطه المحليه والجيش من سكان الموصل.