بغداد – الراصد 24
للمرة الأولى تتباين مشاعر العراقيين أزاء جيشهم الذي يحتفل هذا الشهر بذكرى تأسيسه الرابعة والتسعين فمشاهد الجنود الهاربين من الموصل وهم يلقون ملابسهم العسكرية وأسلحتهم على الأرض تثير الحزن في نفوسهم، وهم يثقون بالجيوش الصغيرة من الميليشيات والفصائل المسلحة والعشائر اليوم أكثر من ثقتهم بجيشهم.
الثلاثاء الماضي احتفلت الحكومة العراقية بالذكرى 94 لتأسيس الجيش العراقي الذي تشكل عام 1921 من القرن الماضي، وهو يخوض اليوم حرباً على جبهات عديدة ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” الذي يستولي على ثلث مساحة البلاد في الشمال والغرب.
مجموعة من الشباب والناشطين المدنيين انطلقوا في موكب سيارات في شوارع بغداد وهم يحملون الأعلام العراقية احتفالا بذكرى تأسيس الجيش العراقي، بعدها جرى حفل في معرض بغداد الدولي للغرض نفسه.
كريم المعموري أحد المشاركين في الحفل وهو طالب في الجامعة قال بعد انتهاء الاحتفال “علينا دعم الجيش الرسمي رغم ما تعرض له العام الماضي من خسائر، ويجب إعادة تأهيله وعدم السماح للميليشيات والعشائر بالاستمرار في حمايتنا إلى الأبد.. فالجيش يجب أن يكون المسؤول الوحيد عن الأمن في بلادنا”.
رئيس الجمهورية فؤاد معصوم قال في بيان بمناسبة عيد الجيش إن “هذه المناسبة الوطنية تؤكد الحاجة إلى أهمية مواصلة بناء الجيش والقوات المسلحة لتكون بمستوى التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد ويجب تحرير هذا الجيش من أي انحياز لشخص أو حزب أو جماعة سياسية”.
الواقع على الأرض يشير إلى قيام جيوش صغيرة من الميليشيات الشيعية والعشائر السنية بمساعدة الجيش الرسمي الذي تلوثت سمعته بين العراقيين بعد هروبه من الموصل دون قتال ومنح الفرصة لتنظيم “الدولة الاسلامية” للسيطرة على المدينة.
عباس اللامي وهو موظف في دائرة الكهرباء في محافظة الناصرية جنوب العراق نحن “نحب جيشنا لكننا لا نثق به كثيراً رغم ما يقوم به لحمايتنا، فهو ينسحب من القتال بسهولة ولولا قوات الحشد الشعبي لاحتلت داعش بغداد وجميع المحافظات بسهولة”.
اللامي الذي تطوع أحد أولاده للعمل في صفوف إحدى الفصائل الشيعية لقتال تنظيم “الدولة الاسلامية” في محافظة صلاح الدين، يرى إن “الفصائل الشيعية المسلحة أفضل وسيلة لحماية البلاد من الجيش الحالي الذي يضم مقاتلين غير شجعان وضباط كبار فاسدين يعرضون جنودهم للقتل”.
في العاشر من حزيران/يونيو سقطت مدينة الموصل بيد تنظيم “الدولة الاسلامية” وبعد يوم واحد سقطت مدينة تكريت أيضاً، وهُزمت أربع فرق عسكرية تابعة للجيش وهي (2،3،4،12،18) وعددها نحو 70 ألف جندي وضابط بحسب وثائق وزارة الدفاع بعد الحادثة، كما كشفت عن خسائر فادحة في الأسلحة التي تُركت في القواعد العسكرية واستولى عليها تنظيم داعش وتبلغ قيمتها ملايين الدولارات.
وبعد ثلاثة أيام على سقوط الموصل أصدر المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني أمراً بالجهاد، وبدأ تشكيل الميليشيات غير نظامية مهمتها وقف زحف التنظيم المتشدد إلى العاصمة بغداد ومحافظات الجنوب، وفعلاً نجحت في مهمتها وحصلت على شعبية كبيرة في أوساط السكان الشيعة.
هناك خمسة فصائل شيعية رئيسية تقاتل على الأرض اليوم وهي “عصائب أهل الحق” و “بدر” و “سرايا السلام” و “حزب الله” و”كتائب الرسالي” إضافة إلى عشرات الفصائل الصغيرة المنضوية تحت قيادة الميليشيات.
أما في الأنبار الواقعة غرب البلاد فقد تعرض الجيش أيضاً لخسائر كبيرة، حيث فقد السيطرة على مدينة “الفلوجة” أول الأمر ثم خسر مدن “هيت” و “القائم” و “الكرمة” و “عانة” و “راوة” و”الرطبة”.
ولم يبقَ تحت سيطرة الحكومة سوى “الرمادي” و “حديثة” و”الخالدية” حيث تقوم عشائر هذا المناطق الثلاثة بمساعدة الجيش على وقف هجوم “داعش” عليها، ولو لا العشائر لسقطت هذه المدن أيضاً.
ويقول الشيخ أحمد النمراوي أحد شيوخ عشائر الأنبار إن “سكان المدينة لا يثقون بالجيش كثيراً، فهو ينسحب من مواجهة داعش بشكل مفاجئ ويترك السكان تحت رحمة داعش، ولهذا نثق بمقاتلينا من العشائر الذين يساعدون الجيش على مواجهة الإرهابيين”.
وفي اجتماع للقادة الأمنيين في الرمادي قبل أسبوعين اعترف قائد العمليات العسكرية في الأنبار الفريق قاسم الدليمي بأن مساعدة العشائر للجيش جعلت موقفه أقوى في مقاتلة تنظيم “الدولة الاسلامية”.
وفي الواقع فإن الجيوش الصغيرة مثل الميليشيات الشيعية والعشائر السنية تقاتل إلى جانب الجيش الرسمي الكبير بعد فشله في محاربة التنظيم المتشدد الذي يُعتبر أيضاً من الجيوش الصغيرة، وعلى ما يبدو انه عصر الجيوش الصغيرة كما يقول اللواء المتقاعد في الجيش السابق مجيد الراوي.
الراوي وصف الموقف بالقول “إننا نعيش زمن الجيوش الصغيرة فهي التي تنتصر في بلادنا حالياً إذ إن تنظيم داعش هزم الجيش الرسمي، والميليشيات الشيعية والعشائر تنتصر اليوم على داعش فلم تعد هناك فائدة للجيوش الكبيرة”.
تم طرد الراوي من الجيش بقرار من الحاكم المدني الأميركي السابق بول بريمر عام 2003 بعد حل الجيش العراقي السابق، ويقول الراوي إن “الجيش الذي تشكّل بعد 2003 هو جيش طائفي غير متدرب وعمل على تشويه سمعة الجيش العراقي العريق”.
تاريخياً يكشف أرشيف الجيش العراقي عن خوضه العديد من الحروب الخارجية كان أولها عام 1941 ضد بريطانيا التي ساهمت في بناء هذا الجيش، وسبب الحرب رفض العراق قيام بريطانيا ببناء قواعد عسكرية في البلاد، وبعد سبعة أعوام شارك الجيش العراقي في الحرب العربية ضد إسرائيل وفي 1976 لنفس السبب أيضاً.
لكن أقسى الحروب وأطولها التي خاضها الجيش العراقي كانت حرب الخليج الأولى عام 1980 ضد الجيش الإيراني واستمرت ثمان سنوات، وبعدها حرب الخليج الثانية ضد الولايات المتحدة والتحالف الدولي بعد إقدام الجيش العراقي على احتلال الكويت عام 1990.
مشاعر العراقيين أزاء جيشهم تختلف هي الأخرى بحسب انتمائهم فالسكان السنة يعتبرون إن الجيش العراقي انتهى مع احتلال بغداد عام 2003 ويقولون إن الجيش الحالي طائفي، أما السكان الشيعة، فيعتبرون الجيش بعد 2003 هو الجيش الحقيقي، أما الأكراد فيحتفظون بذكريات سيئة عن هذا الجيش الذي خاض حروبا شرسة معهم منذ عقود.
ولكن العراقيين ما زالوا يحبون هذا الجيش، وكيف لا، ولا توجد عائلة في العراق لم يكن أحد أبنائها أو أقربائها يعمل في الجيش، ولا يخلو منزل في العراق من ملابس عسكرية ونياشين للجد أو الأب خلال عملهم في الجيش في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، أو الأبن الذي يحارب التنظيم المتشدد في تكريت والأنبار.