بغداد – الراصد 24
طوى العراق في عام 2017 صفحة سوداء من تاريخه بهزيمة تنظيم داعش اعنف تشكيل مسلح مر في تاريخ المنطقة وربما العالم بعدما تمكن الجيش العراقي بدعم من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من كسب معركة مدينة الموصل مركز محافظة نينوى ( شمال العراق) الجولة الاصعب والجائزة الاثمن في صراع الحكومة العراقية مع التنظيم المتطرف.
ومع ان انهيار”خلافة داعش” المزعومة التي اعلنها ابو بكر البغدادي زعيمها المتواري عن الانظار كان الحدث الابرز في العام المنصرم الا ان خطوة اقليم كردستان العراق في اجراء استفتاء الاستقلال عن العراق كانت علامة مميزة في سجل الاحداث منذ 25 ايلول ( سبتمبر) وماتلاه من ايام زلزلت المشهد العراقي برمته وحملت تداعيات امنية وسياسية واقتصادية مازالت انعكاساتها مستمرة لكنها عززت وثبتت الدور المحوري والاساسي لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي في المشهد العراقي.
وتميز عام 2017 بمحطات حربية مهمة ختم فيها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المعركة الشرسة مع تنظيم داعش باعلان النصر النهائي على التنظيم المتطرف في 9 كانون الاول (ديسمبر) 2017 بعد ان استطاعت القوات العراقية تحرير كافة الأراضي والسيطرة على الحدود البرية مع سوريا بكاملها والبالغ طولها 183 كيلومترا عقب سلسلة انجازات تمثلت بانتزاع القوات المشتركة في 24 كانون الثاني ( يناير) الجانب الايسر لمدينة الموصل فيما اعلن العبادي رسميا عن تحرير المدينة في 10 تموز (يوليو) بعدما انطلقت عمليات تحرير الجانب الايمن من الموصل في 19 شباط ( فبراير) 2017 ليتم في 31 اب ( اغسطس) اعلان محافظة نينوى برمتها خالية من تنظيم داعش.
وبانتهاء المعارك ضد داعش في العراق قدر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الخسائر الاقتصادية بـ 100 مليار دولار بينما كشف وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي عن ان الخسائر تبلغ 48 مليار دولار في البنى التحتية الحكومية في المدن العراقية التي كان التنظيم قد سيطر عليها وتشمل الجسور والدوائر والمستشفيات والمصانع فيما تقدر تكلفة شراء العراق لمعدات عسكرية واسلحة في الحرب على تنظيم داعش بنحو 300 مليار دولار.
وحملت المعركة مع تنظيم داعش انعكاسات خطرة على الواقع الانساني من خلال ازدياد اعداد النازحين عبر موجات نزوح ارتبطت بالمعارك التي شهدتها المناطق التي يتواجد فيها تنظيم داعش وخصوصا في مدينة الموصل التي كانت تحتضن مئات الاف المدنيين انضموا الى الملايين المقيمة في مخيمات النزوح ليبلغ عدد النازحين نحو 5 ملايين نازح عاد منهم نحو 45% ليظل اكثر من مليونين ونصف المليون فرد عراقي في مخيمات النزوح اوموزعين على دول الجوار او في دول اخرى فيما بلغ عدد القتلى في المدينة نحو 10 الاف قتيل فضلا عن تدمير احياء سكنية كاملة كجزء من فاتورة الحرب الباهضة.
وبعد ان اسدل الستار على التنظيم المتطرف يقف العراق امام تحديات ليست سهلة حيث يحتاج اعادة النهوض بالواقع العراقي لجهود شاقة خصوصا في ظل الخراب والدمار والفوضى العارمة وانتشار السلاح وقلة الموارد المالية جراء الازمات الاقتصادية العالمية وتراجع اسعار النفط المصدر الاول لدخل البلاد مما يدق ناقوس الخطر من خطر قادم في حال عدم قدرة الحكومة العراقية على توفير الحلول للمشاكل الموجودة وتجنب تأثيرات مسقبلية قد تؤدي الى ظهور تنظيمات شبيهة بتنظيم داعش وربما اكثر فتكا منه .
وتصطدم الحكومة العراقية بمحددات عدة تعرقل خططها لاعادة البلاد الى السكة الصحيحة بعد مرحلة داعش منها التاثيرات الخارجية ولاسيما النفوذ الايراني المتنامي عبر ادواته العسكرية ممثلة بالمليشيات المنخرطة في هيئة الحشد الشعبي وبقاءها منفلتة يحمل مخاطر على السلم الاهلي كونها جزءا من المنظومة الايرانية في المنطقة الامر الذي يفرض على حكومة حيدر العبادي الاخذ بزمام المبادرة لتحجيم وضبط المليشيات وتفكيكها وتسليم سلاحها للدولة وتقوية القوات العراقية بمختلف صنوفها على حساب السلاح المنفلت.
وتمثل الجماعات المسلحة مشكلة حقيقية لحكومة بغداد كون تلك الفصائل تعتبر اذرعا للاحزاب والشخصيات السياسية الفاعلة في المشهد العراقي خصوصا ان تلك الجماعات تمارس انتهاكات وافعال غير قانونية بعد ان استغلت دعوة اية الله السيد علي السيستاني المرجع الشيعي الاعلى لقتال داعش عقب سقوط الموصل وباتت اطراف منها تمارس اعمال النهب والسلب ومحاولة الدخول بالسياسة وفرض واقع جديد في البلاد.
وتحتاج الحكومة العراقية التي تواجه تحديات مالية وسياسية وامنية لادوات مهمة تعينها على اجتياز مرحلة مابعد داعش تبدأ من اعادة الثقة لافراد المجتمع بوجود القانون وقوة مؤسسات الدولة والحد من الخطاب التحريضي للعنف والكراهية وكسب السكان المحليين في المناطق السنية عبر إجراءات واقعية على الارض ترتبط بعضها الاخر في وضع الاستقرار والسلام وتذويب كل ما يثير القلق.
وتمكن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي من اجهاض حلم الدولة الكردية خاصة ان العراق في 25 ايلول ( سبتمبر) وقف امام مفترق طرق بعدما اختار اقليم كردستان العراق الذهاب الى استفتاء الانفصال رغم الرفض المحلي والاقليمي والدولي للخطوة الكردية التي ادت نتائج وانعكاسات كبيرة اثرت كثيرا على المكاسب المتحققة في اقليم كردستان العراق على مدى اكثر من عقدين وكان من نتائجها استقالة رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني من منصبه والاكتفاء بزعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي اصبح في موقف حرج بعد الاستفتاء وتزايد الازمات الاقتصادية والسياسية والامنية في الاقليم.
وخسر الاكراد بعد شهر من استفتاء انفصال الاقليم واغلاق المعابر الحدودية والمطارات وخصوصا في 25 تشرين الاول (اكتوبر) اغلب المناطق الكردية المتنازع عليها وفي مقدمتها مدينة كركوك ( شمال شرق العراق) الغنية بالثروات والمتنازع عليها بين الاكراد من جهة والعرب والتركمان من جهة اخرى.
ومثلت سيطرة القوات العراقية على مدينة كركوك تحولا دراماتيكيا في المشهد العراقي بعد اكثر من عقد على احكام الاكراد لسيطرتهم على المدينة التي باتت الى جانب استفتاء الاستقلال سببا في انقسام الاكراد وضياع حلم الدولة الكردية مما يعني تقوقع الاتحاد الوطني بعد وفاة زعيمه الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني في 3 تشرين الاول (اكتوبر) 2017 في محافظتي كركوك والسليمانية مقابل اربيل ودهوك التي يسيطر عليها حزب البارزاني الذي يؤكد بانه تعرض الى طعنة موجعة بالظهر بعد ساعات من اتفاق هيرو ابراهيم زوجة الطالباني مع البارزاني على عدم تسليم المدينة الغنية بالثروات الى القوات الحكومية العراقية لكن التنافس التاريخي القائم بين الطرفين عاد الى الواجهة مجددا وخاصة في عدم السماح باطلاق يد البارزاني في الاقليم.
ورغم تمسك الاكراد بمواقفهم بعدم اعلان رسميا بالتراجع عن نتائج استفتاء الانفصال كما تطالب حكومة حيدر العبادي قبل الدخول في اي حوار لحل الازمة الا ان اجواء الاقليم المضطربة بعد احتجاجات محافظة السليمانية ومدن كردية اخرى في منتصف كانون الاول ( ديسمبر) ودخول اطراف حزبية تريد اسقاط حكومة نجيرفان البارزاني والمطالبة باصلاحات سياسية واقتصادية تشير الى ان الازمة في الاقليم باتت مفتوحة على احتمالات عدة من بينها نشوب حرب داخلية طاحنة بين الاحزاب الكردية اوحرب عرقية بين الاكراد والتركمان والعرب لكن الواضح بان حكومة بغداد باتت هي صاحبة الكعب المعلى في حسم ازمة الاقليم ولها القدرة حتى على التدخل العسكري في كردستان وحل الحكومة تحت عنوان فرض الامن والاستقرار.
ومثلت زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى بغداد ومباحثاته مع المسؤولين العراقيين في 25 شباط ( فبراير) وما اعقبها من زيارات لوزراء سعوديين وماقابلها من زيارات قام بها مسؤولون وزعماء روحيين من السنة والشيعة ومن بينهم زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الى الرياض عودة الدفئ الى العلاقات العراقية – السعودية ونهاية لعقود التوتر وطي لصفحات القطيعة التي شابت العلاقات بين البلدين منذ1991 عقب غزو الكويت.
وازداد الانفتاح العربي على بغداد بعد طرد داعش خارج الاراضي العراقية في خطوة لتعزيز دور العراق في محيطه العربي من اجل تحقيق التوازن الاقليمي اليه وتفكيك الهيمنة الايرانية التي تريد احكام قبضتها على المشهد العراقي وترسيخ نفوذها عبر ادواتها الناشطة في العراق.