انقرة – الراصد 24 ..
تشهد تركيا احتفالات بالقهوة التركية، أبرزها افتتاح جناح خاص في متحف قصر السلطنة العثمانية بإسطنبول، ضمن العديد من الفعاليات الثقافية التي تشهدها البلاد بمناسبة مرور 5 قرون على استقدام الأتراك للقهوة، بما يظهر ولع الأتراك الشديد بالقهوة، وافتخارهم بها حتى غزت العالم.
المتحف يحتوي على 800 قطعة، تروي قصة دخول القهوة إلى قصر السلطان العثماني قادمة من اليمن، وكيف خرجت منه لتصبح مشروعاً وطنياً، وثقافة تركية، غزت العالم شرقاً وغرباً.
ولا تعد القهوة فقط جزءاً من ثقافة الطعام والشراب التركية، ولكنها جزء لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والثقافية للمجتمع التركي، والهوية الوطنية أيضاً.
وهناك من يرون أن الانتشار الواسع للمقاهي الحديثة، وما تقدمه من أنواع القهوة الغربية، صار ينافس القهوة التركية في عقر دارها بل يهدد باختفاء هذه الثقافة.
انتشار المقاهي في الأزقة التركية مؤشر آخر إلى ولع الأتراك بالقهوة، بالإضافة إلى حرصهم على أن يتم إعدادها بالطرق التقليدية؛ ابتداء من طحنها ورميها على الفحم في أوان نحاسية، وتحريكها بواسطة ملاعق خشبية.
ومع مرور العصور، أصبحت القهوة التركية شيئاً ضرورياً، لا غنى عنه في مختلف أنحاء العالم، فمن أجلها أقيمت المقاهي، ولأجلها صنعت الفناجين والركوات المزخرفة، وحُددت لها أوقات معينة، وأصبحت في العالم رمز الضيافة في مجالس الناس ومجتمعاتهم الخاصة والعامة؛ ففتحت الأمم لها مكاناً في حضاراتها وعاداتها المختلفة.
هذا العشق لحبات البن التي انتشرت عالمياً، وبحسب مؤرخين، بدأ مع رحلة حبوب القهوة التي دخلت إلى بلاد الأناضول في عهد السلطان سليمان القانوني في عام 1540، حيث جيء بها من اليمن إلى إسطنبول؛ فأولع بها السلطان وأفراد أسرته وحاشيته؛ وصارت تقدم في كل المناسبات.
وبدأت بعد ذلك بالانتشار في الأوساط الاجتماعية، بعد أن قامت امرأة شامية تدعى شمس، ورجل حلبي يدعى حكم، بتأسيس أول مقهى للقهوة التركية في القلعة الخشبية في إسطنبول.
ومن بعد ذلك انتشرت المقاهي في الأراضي العثمانية كافة، وصار يتردد عليها المثقفون والأعيان من الوزراء والولاة. هذا الولع بالقهوة التركية دفعهم إلى تشكيل جمعية لـ”القهوجيين”، وتعيين رئيس لها سمي “قهوجي باشي”. وفي عهد السلطان العثماني مراد الثالث وصل عدد المقاهي في إسطنبول إلى أكثر من 600 مقهى.
وحول انتشار القهوة التركية في أنحاء العالم، وبلوغ صيتها أقصى أوروبا، تقول بعض المراجع التاريخية إن ذلك حدث إبان عهد القائد العثماني، مصطفى باشا المرزيفوني، عندما حاصر مدينة فيينا النمساوية بجيشه في أواخر القرن السادس عشر، وكان واثقاً من فتح العاصمة النمساوية آنذاك؛ فأخذ معه 500 كيس من القهوة ليشربها خلال احتفالات النصر.
فرحة مصطفى باشا بالفتح لم تتم، ودارت الدائرة عليه بالهزيمة؛ فترك عتاد جيشه ومعداته، ومن بينها أكياس القهوة، فأحرق الجيش النمساوي بعضها، وألقى بعضها في نهر الدانوب لجهلهم بما تحتويه الأكياس؛ فانتشرت رائحتها التي عمت المنطقة كلها، فشمها ضابط نمساوي كان قد زار إسطنبول من قبل فعرفها، وعرَّف أهل فيينا بها.
وعبر فيينا انطلقت رحلة القهوة التركية إلى البقاع الأوروبية، ولم تتوقف حتى ثبتت أركان وجودها وعشقها ومقاهيها في جميع أصقاع الأرض.