بغداد – الراصد 24 ..
بعد انقضاء 4 استحقاقات انتخابية خلال السنوات الـ 15 الماضية عقب سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في 2003 ، تفتق ذهن اللوائح الانتخابية الكبيرة والكثير من المرشحين الى ابتكار اساليب جديدة والتفنن في الحصول على اصوات الناخبين من خلال المال للحصول على مقاعد في البرلمان العراقي.
ويمثل “المال السياسي” الذي تحوم حوله شبهات فساد اومصادر غير مشروعة حجر الاساس في السباق الانتخابي كونه يتيح للمرشح الفائز في الانتخابات التشريعية التمتع بالحصانة النيابية مما يساعده على تنفيذ اجندات خارجية او لتشكيل لوبيات لدول اقليمية او اجنبية تحمي مصالحها في العراق.
وتحولت الشوارع والساحات العراقية على حلبة لاستعراض حجم المال السياسي الذي يتم ضخه في السباق الانتخابي ضمن الحملات الدعائية للوائح الانتخابية وخاصة التي تمثل الاحزاب والشخصيات السياسية العراقية البارزة التي تحتل مكانا منذ سنوات في صدارة المشهد السياسي ولاسيما ان اجراءات مفوضية الانتخابات العراقية سمحت من خلال نظامها الخاص بالانتخابات بان يصل الحد الاقصى لانفاق المرشح الواحد الى نحو مليون دولار في بغداد مثلا كما يحق للائحة الانتخابية التي تضم مثلا 130 مرشحا كحد اقصى انقاق نحو 144 مليون دولار مما يثير تذمرا وشكوى لدى الكثير من اللوائح الانتخابية الصغيرة او المرشحين “الفقراء” مما يتعارض مع مبدأ العدالة في التعامل مع المرشحين في الانفاق.
وقال عبد الكريم الحطاب الخبير في الشؤون الانتخابية بان “المرشحين الجدد الذين يفتقرون لجهات تدعمهم سواء داخلية او خارجية يشكون من تغول المال السياسي في التنافس الانتخابي فهناك مرشحين غير قادرين على دفع اجور المطبوعات بينما هناك مرشحون ملصقاتهم ضخمة جدا بالالاف الدولارات “.
ولفت الحطاب في تصريح لـ ( الراصد 24) الى ان”اساس المال المستخدم بشكل مبالغ به في الانتخابات هو من الفساد الناجم من الاستحواذ على المال العام وابرام العقود الوهمية فبعض المرشحين ممن شغل عضوية البرلمان يدخر ما حصل عليه خلال 4 سنوات من مصادر غير مشروعة لينفقه خلال فترة مابين 4-6 اشهر للدعاية الانتخابية والصرف باتجاه شراء اصوات الناخبين وذمم البعض من موظفي مفوضية الانتخابات ومراقبي المراكز الانتخابية ومدراء المراكز”، موضحا بان ” المرشحين للانتخابات ممن سبق لهم الفوز في الدورات الانتخابية السابقة اصبح لديهم تفنن في الحصول على اصوات الناخبين فالمال السياسي يعتبر عنصرا حاسما واساسيا في تحقيق الفوز والحصول على الاصوات.”
وشدد المحلل السياسي على ان” المال السياسي له عدة مصادر ابرزها دعم بعض الدول الاقليمية وحتى الغربية فهناك جهات مشاركة في الانتخابات تهدف من خلال الحصول على مقاعد في البرلمان العراقي لتمثيل اجندات خارجية خصوصا ان الكثير من دول العالم تسعى لان يكون لها تاثير في تغيير مسار الانتخابات العراقية كل حسب تاثيره والمال السياسي هو السبيل لايجاد نواب او لوبي نيابي يمثل سياسات ومصالح بعض الدول” منتقدا بشدة ضعف الاجراءات المتخذة من قبل مفوضية الانتخابات العراقية في البحث عن مصادر تمويل المرشحين او القوائم الانتخابية والاحزاب السياسية منوها الى ان “المفوضية جرى اختيارها وفقا للمحاصصة الطائفية والعرقية وكل عضو يعمل للحزب الذي رشحه الامر الذي يعيق محاسبة من انفق اعلى من السقف المحدد حيث يصعب السيطرة على المبالغ التي يتم انفاقها فالحد المعين لكل لائحة يتيح صرف مبالغ طائلة”.
وطفت على السطح خلال الفترة الماضية ظاهرة تندرج في اطار تفنن المال السياسي في التاثير على الانتخابات من خلال” متعهدي شراء اصوات الناخبين” حيث يتم الاتفاق مع احد النافذين او الوجهاء في المناطق المختلفة سواء داخل المدن الكبيرة او في القرى والارياف لغرض ضمان الحصول على اكبر عدد ممكن ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات مقابل منح ” المتعهد” مبالغ مالية توزع على الناخبين وتصل الى 150 دولار للصوت الواحد.
ولجأ بعض المشرفين على حملات الوائح الانتخابية والمرشحين لخوض الانتخابات الى الاستعانة بمجاميع من الشباب لغرض شراء بطاقات الناخبين بمبالغ مابين 100 – 200 دولار للبطاقة الواحدة وخاصة من المعدمين والفقراء ممن لايفكر بالمشاركة في الانتخابات حيث سيتم استخدام البطاقات بالاتفاق مع بعض المشرفين على المراكز الانتخابية وهو مادفع بالحكومة العراقية الى التحذير من سوء استخدام هذه البطاقات التي يصعب تزويرها.
ولم يعد المال السياسي مقتصرا على شراء اصوات الناخبين وانما تعداه الى شراء ” المرشحين” انفسهم لخوض الانتخابات اذ بدلا من ان يتم منح مبالغ تصل الى 100 الف دولار او اكثر لشراء اصوات الناخبين يتم دفع هذا المبلغ او اقل منه للمرشح على اللوائح الانتخابية وترك المجال مفتوحا امامه للحصول على اصوات الناخبين للمرشح والقائمة فمهما حصل المرشح على اصوات فانها تصب بصالح اللائحة الانتخابية التي تخوض السباق للبرلمان العراقي.
وباتت ولائم الغداء او العشاء للناخبين المحتملين او زعماء القبائل والعشائر من الاساليب القديمة التي تجاوزها الزمن ، فالمال اصبح اللاعب الرئيسي في الانتخابات كما ان العديد من القرى والبلدات التي تشكو من سوء الخدمات العامة اعتمدت اسلوب المقايضة مع المرشحين فمقابل منح اصواتهم يتم مثلا توفير مولدات كهربائية ضخمة او تبليط الشوارع بالاسفلت او ايصال الماء الصالح للشرب عبر نصب خزانات ضخمة في المناطق ذات الخدمات السيئة.
ومن المؤكد ان الحيتان الانتخابية الكبيرة ستتمكن من التهام اللوائح الفقيرة او الصغيرة التي لاتملك مصادر تمويل او دعاية وتبحث عن ممولين لها وربما لم تجدهم وهو ما يجعل حظوظهم شبه منعدمة في انتخابات مفصلة على مقاس الاغنياء فقط.
وتعتبر الانتخابات البرلمانية العراقية المقرر اجراءها في 12 ايار ( مايو ) المقبل الاولى التي تجري في البلاد بعد هزيمة تنظيم داعش نهاية العام الماضي.
