سهيل خير الله العباسي / كاتب عراقي
عانى هذا الرجل في حياته السياسية كثيرا من الظلم و التشهير و التجاوز عليه لا لشيء إلا لأنه أفصح عن رأيه في محاربة الشيوعية و تعرض الشيوعيين إلى السجون و بعد محاكمات عادلة لهم ومن ثم تخفيف هذه الأحكام بعد أن يعترفون بخطئهم الفكري. و يوما جاء أحدهم إلى الباشا للتوسط لإطلاق سراح ابنه الذي أوقف اثر مظاهرات معادية للحكم الملكي و ابتسم الباشا ثم اتصل بمدير الأمن لإطلاق سراحه وطلب من أباه أن يأتي إلى مكتبه و معه ابنه فجاء الأب و الابن فاستقبلهم نوري السعيد، وقال له: بماذا كنتم تهتفون وما هو شعاركم؟ فأطرق الشاب خجلا، و قال كنا نقول (نوري السعيد شدة ورد و صالح جبر ريحانه) فضحك الباشا ملئ شدقيه و قال لوالده مازحا (لن أسلمك ابنك إلا بعد أن يقول شعار المظاهرات بشكل صادق) و بعد تردد طويل و إعطائه الضمان لعدم إعادته للموقف كنا نقول (نوري السعيد قن… وصالح جبر قيطانه) عندها استلم الوالد ابنه ثم تحدث عن فلسفة الحكم في العراق، قائلا: إن العراق حكومة تنتخب من مجلسي الأمة – النواب و الأعيان – وبطريقة ديمقراطية ذات سمات رأسمالية لأننا نؤمن بهذا النهج الاقتصادي الذي تطبقه الدول الأوربية في معظمها وهي دول عندها أديان سماوية و تعترف باليوم الاخر و بالجنة و النار على عكس النظرية الشيوعية التي لا تؤمن بالروح و بالآخرة ويصف لينين منظر النظرية الماركسية بأن الدين (أفيون الشعوب) لا حياة أخرى و تنبأت الرأسمالية بأن الشيوعية آيلة للسقوط و الزوال و مهما طال بها الزمن و كانت الدول الشيوعية تقول بأنها لن تسقط أبدا، إلى أن جاء اليوم الذي أعلن فيه (غاربوشوف) و من ساحة الحمراء التاريخية معلنا سقوط الشيوعية و استبدالها بالحياة البرلمانية، تؤلف أحزاب رأسمالية من ضمنها الحزب الشيوعي الروسي و أعطى الحرية لشعوب الاتحاد السوفييتي بتشكيل أحزابها الوطنية و هو ما أذهل العالم لهذا السقوط الدراماتيكي و استقلت الكثير من دول الاتحاد السوفييتي السابق لتنشأ جمهوريات وطنية مستقلة و قد عانى العراق كثيرا من السلوكيات المتشددة التي مارسها الشيوعيون بحق الوطن وأن أحداث 1959 التي حصل بها السحل و القتل و المعارك بالأيادي في الكليات وحتى أفراد العائلة الواحدة انقسموا الأخ مع أخيه و الأب مع أبنائه و طويت صفحة مؤلمة من تاريخ العراق لتأتي بعدها (بعد سقوط الملكية و تحول نظام الحكم إلى نظام جمهوري و انتخابي) و الملفت للنظر إن معظم قيادات الحزب الشيوعي هي برجوازية قادتها من الأثرياء و المترفين وهي ازدواجية حادة بين المبدأ البلوريتالي و المبدأ الشيوعي و الذي يركز على أن تكون القيادات من العمال و الفلاحين الكادحين و أنا أود أن أشير إلى مقابلة تلفزيونية مع سكرتير الحزب الشيوعي الحالي، حين سؤل كيف تدخلون بجبهة وطنية مع نظام صدام حسين؟ فأجابه وبشجاعة إن هذا كان خطأ كبيرا و لم يبرر بأي كلام خلافا على عادتهم في التبرير و الجدل القسطنيطيني و حينما أعلنت نتائج الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب الحالي لم يحصلوا على نائب واحد و لكنهم (وهي عادة) أن يقولوا الانتخابات مزورة و هذا يدينهم و لو كانوا فازوا لقالوا إنها صحيحة و إن هذا الموضوع ليس بودنا أن يناقش و يتهم بعض السياسيين الاخر حيث أنها مرحلة تاريخية مضت ولا يفضل الوقوف بها كثيرا و لكن يجب أن لا نغفل دور الباشا نوري السعيد و زملائه الآخرين الذين ناضلوا كثيرا من اجل تصحيح الحياة السياسية في العراق و ضحوا بأرواحهم و حصلت مجازر بحقهم حيث علقت جثة المرحوم نوري السعيد و قطعت أوصالها بعد يومين من دفنه في مقبرة باب المعظم و كذلك المرحوم الوصي عبد الإله إما الملك فيصل الثاني الشاب البريء فلم يمس بشيء ودفن بالمقبرة الملكية بالاعظمية و الغريب أن الملك فيصل الأول (رحمه الله) حينما نودي لاستلام عرش العراق و نظم احتفال في الحيدر خانة في بغداد تبارى به الخطباء مرحين بسليل الدوحة المحمدية أن يكون ملكا عليهم و لم ينهض الملك فيصل الأول ليقول كلمات الشكر على هذا الاحتفال فخطب بهم مقتضبا و شكرهم وقال (إن قلبي ينبئني بأن عائلتي ستقتل وتهتك في العراق مثلما حصل لجدي الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)) و ضج الحاضرون بكلمات الولاء و العهد للعائلة المالكة و لكن كانت نبوءته هي الصادقة رحمهم ألله جميعا و في المقدمة منهم نوري السعيد الوطني الغيور الشجاع الذي دفع الحاقدين عليه لفعلتهم هذه و لكن هيهات أن يرضى الله عن ذلك و هذه حكمته و لا يوجد قبر حاليا لعبدالكريم قاسم و عبدالسلام عارف فالأول رمي جثمانه في دجلة بعد أن ربطوا الحديد به كي لا يطفوا إلى السطح و الثاني حرقت جثته و أصبحت رمادا عند سقوط طائرته الهليكوبتر التي تقله من قضاء القرنه إلى البصرة و هذه إرادة الله سبحانه و تعالى و هذا أجله الذي لا راد له وليس كثيرا عليه أن نسمي شارعا باسمه في بغداد التي أحبها و ناضل كثيرا من اجلها..