بغداد – الراصد 24
تجد ايران في الانتخابات التشريعية العراقية المقرر اجراءها في 12 ايار ( مايو ) المقبل فرصة لاتعوض لاثبات جدارة ستراتيجيتها وحلفاءها واذرعها العسكرية لضمان دوران العراق في فلك سياستها بمنطقة الشرق الاوسط واحكام القبضة على مؤسسات الدولة ومنحها طابعا رسميا باعتراف دولي.
ويمثل تشديد التبعية العراقية لنظام الولي الفقيه عبر تسيد حلفاء ايران، من الاحزاب والشخصيات المشاركة في الانتخابات البرلمانية، للمشهد السياسي واستئثارهم باصوات الناخبين، اهم خطوات نجاح النظام الايراني في مسيرته الممتدة منذ 2003 ولاسيما بعد سقوط نظام صدام حسين مما يساهم بترسيخ وتعزيز هيمنته على بلاد الرافدين وقطع الطريق امام الانفتاح العربي على بغداد الذي انتج تطورا كبيرا في علاقات العراق مع الخليج العربي وخصوصا المملكة العربية السعودية.
وبموازاة ما تمتلكه طهران من”خزين ستراتيجي”وبنية تحتية “مليشياوية” في كل وزارات الدولة الامنية والمدنية وخارجها بشكل يتيح دخول موالين لها من الشيعة الى البرلمان العراقي فانها تمكنت من ايجاد ادوات في اجزاء كانت لاتحضى فيها بشعبية ولاسيما نجاحها بتاهيل قيادات سنية وكردية موالية لها في المحافظات السنية والمناطق المتنازع عليها في متغير لافت مقارنة في انتخابات 2014 اذ استثمر الحرس الثوري الايراني وواجهاته العراقية في العشائر السنية والكردية وساعدعلى تسليحها من خلال استخدام المال.
ولم يعد القلق من نجاح الميليشيات الشيعية في تحقيق خرق انتخابي في المناطق السنية لوحده هو مايشغل اقطاب المشهد السياسي السني بل تعداه الى تمكن ايران ضمن ستراتيجتها الفعالة من كسب زعماء عشائر نافذين وضمان ولائهم بالمال لمساعدتهم في الحصول على مقاعد في البرلمان العراقي الجديد بهدف تشكيل جبهة واسعة وعريضة تضم الكتل الشيعية بالاضافة الى نواب من السنة وهو ما يتيح لايران التحكم بمسار تاليف الحكومة المقبلة ما لم يعكر ستراتيجتها اي تحول اقليمي او دولي مفاجئ.
وقال عمر عبد الستار النائب السابق في البرلمان العراقي ومستشار مركز العراق الجديد للبحوث والدراسات في تصريح صحافي بان “ايران تخشى من تداعيات العملية السياسة في العراق على نظام ايران السياسي وهي تراها اكبر خطر على امنها القومي ولذاك عطلت قدرة اي انتخابات منذ ٢٠٠٥ على التاثير السياسي فاسست البيت الشيعي الذي احتكر السلطة وربطت العراق بمحورها الاقليمي بغض النظر عن نتائج الانتخابات”، مشيرا الى ان “انتخابات ٢٠١٨ قد تمكن ايران من اضافة هدف اخر في تاهيل قيادات سنية وكردية موالية لها في المحافظات السنية والمناطق المتنازع عليها الا اذا تعرض البيت الشيعي لتفكك لايمكن اصلاحه وضمنت في صراعها مع اميركا عدم استهداف اميركا لنظامها السياسي فعندها لكل حادث حديث ولذلك فبدون تحرر العملية السياسية من عناصر ايران المتمردة على العملية السياسية كما تحررت من عناصر السنة المعارضين للعملية السياسية فلا امل في نجاح اي انتخابات في اصلاح المشهد السياسي”.
ولايستبعد الباحث السياسي العراقي من ان تتيح الانتخابات التشريعية المقبلة للقوى السياسية القريبة من ايران وخاصة “قائمة الفتح” ( بزعامة رئيس منظمة بدر النائب هادي العامري) تحقيق رغبة طهران بتولي احد اصدقائها رئاسة الحكومة المقبلة ، مؤكدا على ان “هذا احتمال وارد وايران تقاتل لذلك بـ ( هادي ) العامري او ابو مهدي المهندس ( نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي) اوبغيرهما خاصة وانها تمتلك بنية تحتية مليشياوية في كل وزارات الدولة الامنية والمدنية وخارجها لكن اذا عجز البيت الشيعي عن تشكيل الكتلة الاكبر فعندها قد تكون كل الكتل خاضعة لضغوط تطورات وتحالفات المشهد السياسي العراقي وتطورات الملف السوري”.
ويرى عبد الستار، بان الانتخابات التشريعية ستكون فرصة لاثبات تبعية العراق لايران خصوصا ان “الانفتاح العربي جاء متاخرا بعد ان تمكنت ايران من العراق خاصة بعد ظهور وطرد تنظيم داعش وبعد فشل استفتاء كردستان وفشل تاجيل الانتخابات “، مستدركا بان “الانفتاح العربي هو جزء من استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة التي تعمل بسياسة احتواء ايران وكسر احتكارها للقرار العراقي امنيا وسياسيا واقتصاديا برفع كلفة تعنتها وعزل شيعة العراق عن ايران ودفعهم نحو الدولة الوطنية بدل دموية مشروع ولاية الفقيه لكن ايران ستقاوم هذا الانفتاح بكل ماتمتلكه حتى لو اضطرت الى تكرار سيناريو تفجير سامراء ٢٠٠٦ او سيناريو داعش ٢٠١٤”.
ويظهر تعاظم النفوذ الايراني بشكل واضح وجلي في الساحة العراقية من خلال تراجع بعض اعضاء اللوائح الانتخابية وخاصة المنخرطين في القوائم السنية او الوطنية او الليبرالية عن مهاجمة النفوذ اوالدور الايراني في العراق ومنطقة الشرق الاوسط عموما مقارنة مع نبرة الخطاب التي كانت سائدة ابان الحملات الانتخابية في الدورات الماضية والتي ساهمت بحصول عدد من المرشحين على مقاعد في البرلمان العراقي وهو ما يؤشر خوف المرشحين من سطوة ايران واذرعها المسلحة وربما التحكم بمستقبلهم السياسي.
وذكرت مصادر سياسية عراقية بان” ايران تضخ ملايين الدولارات الى الاحزاب والشخصيات القريبة منها وخاصة من قادة فصائل الحشد الشعبي في لائحة الفتح من اجل دعم حملاتهم الدعائية وضمان فوز اكبر عدد ممكن من المرشحين منهم بالانتخابات التشريعية مما يؤمن مصالح ايران السياسية في العراق والحصول على نسبة كبيرة من اعضاء البرلمان المقبل”، موضحة بان ” جزءا من الاموال تم تخصيصها الى وسائل الاعلام التابعة للاحزاب الشيعية او قنوات اخرى مستقلة للترويج لمرشحين مقربين من ايران” مشيرة الى ان ” بعض المرشحين يخشون من التطرق الى الدور الايراني في حملاتهم الدعائية خوفا فبركة ملفات ضدهم تؤدي الى ابعادهم عن خوض الانتخابات”.
ولن تألوا ايران او مسؤول ملفها في العراق الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري جهدا لملمة شتات اللوائح الانتخابية الشيعية في مرحلة مابعد نتائج الانتخابات وتشكيل تحالف واسع يضمن مواجهة الطموح المتصاعد لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يسعى لشغل المنصب مجددا المدعوم من زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر المتحالف مع الحزب الشيوعي الذي تسعى ايران لاضعافه لعدم انسجامه نوعا ما مع الرؤية الايرانية للاوضاع في العراق والمنطقة.
ولاتخفي طهران رغبتها بعدم التجديد للعبادي لولاية ثانية رغم انه اجاد اللعب على التوازنات الاقليمية والدولية وخاصة نسج علاقة ايجابية مع واشنطن والرياض وهو ما يثير حنق القيادة الايرانية التي تفضل ايجاد قاعدة سياسية عريضة تجمع اصدقاءها ضمن لائحة”الفتح” ( بزعامة النائب هادي العامري) وتضم قادة فصائل مسلحة في “الحشد الشعبي” و لائحة “ائتلاف دولة القانون” ( بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي) فضلا عن لوائح وشخصيات شيعية وسنية وكردية صغيرة للحصول على منصب رئاسة الحكومة العراقية ،من دون اغفال امكانية قبول طهران المعروفة ببراغماتيتها باقل الاضرار في حال اجهاض تحركاتها وهو بقاء العبادي بمنصبه حتى حين مادام لايتعارض بشكل تام مع المصالح العليا لايران في المنطقة.

انتخابات العراق: ايران تسعى لترسيخ همينتها على المشهد السياسي
مقالات ذات صلة
-
العضو الفخري لجمعية “إعلاميون”.. عقاب العبيوي: برؤية ولي العهد.. المملكة رقمًا صعبًا وعضو رئيسًا وفاعلًا ليس بG20 بل في الساحة الدولية قاطبة
-
العضو الفخري لـ “إعلاميون”.. عادل الشاعر: ولي العهد أعطى زخمًا وأبعادا عالمية غير مسبوقة لقمة الـ 20
-
بارزاني و علاوي يؤكدان على حل المشاكل بين اربيل وبغداد قبل تفاقمها