بغداد – الراصد 24
حمل 5 شباب بصريين تراث مدينتهم البصرة (اقصى جنوب العراق) ليضفوا على ليل بغداد اجواءا من البهجة من خلال ايقاعات “الخشابة” التي حملت نسائم شواطئ الخليج العربي الى ضفاف نهر دجلة عبر مقطوعات موسيقية جسدت معالم في المدينة طواها النسيان وسط المشاكل السياسية والاضطرابات الامنية وانتشار الجماعات المتشددة.
و”الخشابة” لون من الفنون الشعبية الذي اشتهرت فيه البصرة منذ عشرات السنين ارتبط بتشييد قدامى الحرفيين في منطقة ابي الخصيب للسفن والقوارب المصنوعة من الخشب الساج والزان وابتكروا اثناء اوقات راحتهم عزفا لحنيا بطريقة الضرب على الخشب بنسق ايقاعي موزون بواسطة الالات اليدوية البسيطة التي يستخدمونها في نجارتهم للسفن وتجهيزها للابحار في مياه الخليج العربي وركنها على ضفاف شط العرب في الفاو وابي الخصيب والتنومة والعشار وسط اعجاب البصريين الذين كانوا يسمعون اصواتهم الشجية ونسق ايقاع ضرباتهم على الخشب.
وبينما كانت اصوات الانفجارات تسمع في ارجاء العاصمة العراقية بعد انفجار 5 سيارات مفخخة اوقعت عشرات الضحايا تجمع في منزل عتيق من منازل شارع ابو نؤاس على ضفاف دجلة تملكه مؤسسة برج بابل مساء اول من امس اعضاء فرقة شناشيل لتقديم معزوفات ومقاطع موسيقية من حياة البصرة في امسية رمضانية افتقدتها مساءات بغداد لسنوات خصوصا ان البلاد تشهد عنفا وتعبئة عسكرية مع سيطرة داعش على مدن عدة.
وعزفت فرقة شناشيل خمسة مقطوعات بصرية لأماكن وشخصيات ومعالم تاريخية وجغرافية توزعت بين العشار وشط العرب والسياب وحنا الشيخ والخور، ابدع فيها عازفي العود عمر كريم واكرم العزاوي وعازفي الايقاع علي طارق واحمد هاشم كما شاركهم الفنان علي فجر بإحدى المقطوعات التي امتعت الحضور وشهدت اقبالا متميزا من عامة الناس خاصوصا ان فعاليات مؤسسة برج بابل سجلت خلال الأشهر الماضية بصمة لافتة من خلال استضافتها لمعارض تشكيلية وندوات اعلامية وعروض فنية مختلفة وتقديم أفلام سينمائية مختلفة لطلبة معاهد وكليات الفنون الجميلة والدراسات الموسيقية.
واستمدت الفرقة البصرية اسمها من “الشناشيل” وهي تراث معماري وجمالي قد استخدم منذ العصور الاسلامية الاولى في مدينة البصرة وانتقل بعدها الى البيوت البغدادية التراثية ويماثل المشربيات في البيوت المملوكية في العاصمة المصرية القاهرة ويشبه الرواشين في البيوت التراثية لمدينة جدة السعودية.
وقال العازف عمر كريم رئيس مجموعة شناشيل الموسيقة في تصريح ل(الراصد 24) ان” رسالة فرقة شناشيل تهدف لنقل معالم وتاريخ وحضارة المدينة الى المدن والبلدان الاخرى فما تقدمه الفرقة يستوحى من ايقاعات ووحي وانغام البصرة”.
واضاف كريم ان ” الفرقة تضم 4 الى 6 عازفين ونشهد في كل حفلاتنا تفاعلا كبيرا مع فن الخشابة الذي نقدمه وحملناه الى السليمانية واربيل ولبنان وسوريا قبل الاحداث حيث نحاول ننقل رسالة تعريف بمدينة البصرة ومعالمها .
واشار رئيس مجموعة شناشيل الموسيقية ان” القطع الموسيقية واسماءها تعبر عن معالم البصرة وتاثيرها على الناس فمثلا مقطوعة شط العرب تهدف الى اظهار اهمية هذا الموقع في اذهان العرب وزائري البصرة كما ان مقطوعة بدر شاكر السياب ترتبط بالشاعر من البصرة وتعبر عن ظروف حياته ومعاناته من خلال الموسيقى كما ان القطعة الموسيقية الخاصة بالعشار تجسد الحياة في مركز المدينة السابق وحتى مقطوعة حنا الشيخ فهي تعيد الى الذاكرة سوق بصري معروف وقديم”.
وكسرت مجموعة “شناشيل” من خلال موسيقاها الرصينة الخطوط الحمراء وجدار المحرمات في البصرة التي تسيطر عليها احزاب اسلامية شيعية بعضها متشدد واستطاعت ان تسجل لها بصمة في يوميات المدينة التي غابت عنها الحياة المدنية منذ الغزو الاميركي في عام 2003 خصوصا ان العديد من فرق “الخشابة” والفنون الشعبية اختارت الرحيل عن المدينة بعد ان تعرضت الى التضييق والتهديدات التي وصلت الى حد القتل .
ويختم عازف العود عمر كريم رئيس مجموعة شناشيل الموسيقية حديثه بالقول ان ” الفرقة تمكنت من ايجاد موطئ قدم لها في المحافظة واثبتنا رسالتنا بكوننا لسنا فرقة راقصة او ننقل الموسيقى بصورة سيئة وانما فرقة تتعامل بموسيقى ننقل بتراث المدينة وقد اقمنا حفلات في مناسبات دينية اقامها المجلس الاعلى والتيار الصدري كما مارسنا دورنا في تحفيز الشباب على الانخراط بالجيش والقوات الامنية لرد الاخطار التي تواجه البلد”.
ويرى مؤرخون بان لون “الخشابة ” يعود الى ثورة الزنج عندما إستولى صاحب الزنج على البصره وكانت تقام له حفلات ترفيهيه وقد طلب من المغنين أن يغنوا له مثلما كان المغنين يغنون في قصور العباسيين من انماط غنائيه فاستجابوا له وغنوا المقامات مع الات الايقاع فقط لانهم لم يكونوا يجيدون العزف على غيرها من الالات الموسيقيه الاخرى وكانت هذه بداية غناء المقام العراقي مع الايقاع وحده والتي تميزت به البصره.
من جانبها اكدت الفنانة ذكرى سرسم المديرة التنفيذية لمؤسسة برج بابل في حديث لـ (الراصد 24) ان” مجموعة شناشيل الموسيقية البصرية قدمت معزوفات تنقل حضارة وتاريخ مدينة لها حاضر وماضي وخصوصية في موسيقاها وايقاعاتها ذات الطابع والروح الممييزة وتحاول تصوير مناطق ومعالم مدينة البصرة عن طريق موسيقى نابعة من المقام والوحي الجنوبي وما يميزه عبر حنجرة وصوت الموهوبين والمبدعين من مناطق الجنوب الذين اثبتوا حضورا على مدى اكثر من ٨٠ عام “.
وتؤكد سرسم ان” الناس في بغداد بأمس الحاجة للنشاطات المنوعة للخروج من حالة التقوقع والقلق خاصة ان العراق يشهد وضعا سياسيا وامنيا متوترا”.

مجموعة شناشيل البصرية اثناء عرض موسيقي في بغداد