بغداد – الراصد 24 ..
دبت الحياة فجأة بعد سكون في ديوان الحكومة ( القشلة ) ايام العثمانيين وجال من تقمص كبار شخصياتها في اروقة المبنى العتيق المطل على نهر دجلة من رصافة بغداد القديمة، فتوهجت سماء العاصمة بالالعاب النارية وحدائقها بالموسيقى، ايذانا بمرور 1255 سنة على تأسيس بغداد على يد الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور في رسالة الى العالم بأن بغداد تمرض لكنها لاتموت.
وشيد الخليفة العباسي المنصور في العام الميلادي 762 بغداد بعد بناء استغرق 5 سنوات واتخذها عاصمة للدولة العباسية واصبح لها مكانة عظيمة فكانت اهم مراكز العلم على تنوعه في العالم وملتقى للعلماء والدارسين لعدة قرون من الزمن ووصلت لذروتها في عصر الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد وارتبطت باسمه في روايات “الف ليلة وليلة” ذات الشهرة العالمية حيث باتت عاصمة العالم القديم.
ومع ان بغداد التي تكافح اليوم للبقاء على رمزيتها في الاذهان بعد ان تغير كل شيء فيها، اعتادت الاحتفال بيوم تاسيسها في 15 من تشرين الثاني ( نوفمبر) من كل عام ، الا ان هذا العام تاخر لاكثر من شهر ليتم منذ الثلاثاء الى الخميس الماضي تزامنا مع احتفالات الحكومة العراقية بالنصر على تنظيم داعش وطرده خارج الاراضي العراقية.
وقال مقرر لجنة الاحتفالية المركزية بيوم بغداد الباحث التاريخي عادل العرداوي ان ” الاحتفال بيوم بغداد هذه السنة يتوافق مع انتصارات القوات العراقية على داعش وطرده من البلاد ودرجت امانة بغداد على الاحتفال بهذه المناسبة منذ سنوات طويلة” .
واضاف العرداوي في تصريح خاص ان” تم اختيار الاحتفال هذه السنة بان يكون على حدائق ساعة القشله التاريخية والاثرية والتراثية حيث ترمز القشلة الى ولاية بغداد في الحقبة العثمانية اذ بنها الوالي العثماني مدحت باشا عام 1869م ومازالت قائمة وهي تمثل في العصر الحالي القصر الجمهوري”، منوها الى ان “مقر الحكومة في العهد العثماني تكتسب رمزية بوجود ساعة القشلة احد اقدم الساعات البرجية ذات المنارات العالية في العالم والتي مازالت تعمل حتى الان هي شقيقة ساعة بك بن في العاصمة البريطانية لندن والفرق بينهما نحو 10 سنوات اهداها ملك بريطانيا الى بغداد”.
واكد مقرر لجنة الاحتفال بيوم بغداد بانه ” من الضروري الاحتفاء بيوم بغداد في كل عام وعدم نسيانه لبقاء تاريخ العاصمة بغداد في اذهان الاجيال القادمة” مشيرا الى ان ” الهدف من اقامة الاحتفالية في منطقة بغداد القديمة يركز على تكثيف الجهود لارجاع الحياة لتاريخ التراث البغدادي واحياء مناطق بغداد الاتراثية من خلال النشاطات الثقافية “، مؤكدا على ان ” المهرجان رسالة الى العالم بان بغداد رمز السلام وللمحبة والتسامح والتطلع لبناء مجتمعها الجديد بعد ان طويت صفحة العصابات الارهابية وان يكون لها دور الحضاري المرموق في سجل الحضارة الاسلامية واسترجاع دورها كما كان في الحقب التاريخية الماضية”.
وتعرضت بغداد منذ عام 1258 الى نكبات عدة ادت الى فقدانها لمكانتها الكبيرة بين الامم عندما غزاها المغول والتتار ومع حلول بدايات القرن السادس عشر تبادل الصفويون والعثمانيون السيطرة على المدينة حتى انتزعها العثمانيون أخيرا في عام 1535 فظلت تحت حكمهم قرابة 4 قرون وفي عام 1917 سيطرت القوات البريطانية على المدينة ثم أصبحت عاصمة للمملكة العراقية عام 1921 والجمهورية العراقية عام 1958 ليتم اخر غزو لها على يد القوات الاميركية في 2003.
وتمتاز بغداد ببناء افقي يمتد لنحو 45 كلم طولا ولنحو 50 كلم عرضا وتتكون من 872 حيا سكنيا في طرفيها الكرخ والرصافة الذي يخترقهما نهر دجلة بأهميتها الثقافية التي تتمثل بوجود عدد كبير من الصروح الهامة كالمتاحف والمدارس التاريخية والمكتبات والمسارح وتشتهر المدينة بآثارها الإسلامية التي تتمثل ببقايا اسوار مدينة بغداد ودار الخلافة والمدرسة المستنصرية ولبغداد القديمة أسماء عدة كالمدينة المدورة والزوراء ودار السلام.
وعلى حدائق مبنى الحكومة القديم قدم نحو 50 فنانا مسرحيا من تحت ساعة ” القشلة ” مسرحية حملت عنوان ” بغددة ” لنص كتبه الشاعر كريم العراقي واخرجه حسين علي هارف وجسد فيها الممثلون مشاهدا لخصت حياة ولمحات واثار عن عشرين شخصية بغدادية مرموقة راحلة ومنهم الشعراء محمد مهدي الجواهري ومعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي والشاعر الشعبي المشهور ملا عبود الكرخي ونوري ثابت الصحفي المعروف بأسم “حبزبوز” والمؤرخ جلال الحنفي ونزيهة الدليمي اول وزيرة عراقية والشاعرة نازك الملائكة وكل من المطربين والمطربات عباس جميل وعفيفة اسكندر ومحمد القبانجي وعالم الاجتماع علي الوردي وغيرهم.
وقال الفنان المسرحي خالد احمد مصطفى الذي جسد شخصية المؤرخ الراحل جلال الحنفي ان “مسرحية بغددة كرنفال احتفالي قدمناه لبغداد بمناسبة یومھا الذي تأجل لأكثر من مرة ولأسباب عدة”، مشيرا الى ان ” كرنفال مثل دعوة منا الى عودة الالوان للحیاة البغدادیة ودعوة للیالي ملؤھا النغمات البغدادية ودعوة الى عودة الحياة الى طبيعتها”.
واخترقت 40 سيارة قديمة “كلاسك” على انغام ” الجالغي” و” المربعات” البغدادية ( فن غنائي بغدادي قديم) شوارع الرشيد وحسان بن ثابت والمتنبي والرصافي وهي اقدم شوارع بغداد القديمة التي تكون عادة مهجورة في الليل ومحالها مغلقة لكن الحياة دبت فيها اثناء الاحتفال بيوم بغداد.
كما جرت فعاليات وكرنفالات شبابية وفنية وغنائية على حدائق الزوراء او في المجالس الادبية والثقافية التي تناولت تاريخ بغداد والنهوض بها من جديد.

ساعة القشلة التاريخية اثناء الاحتفال بيوم بغداد
بغداد تحتفل بمرور 1255 سنة على تأسيسها: الحياة تدب في ليل بغداد القديمة
مقالات ذات صلة
-
بمشاركة المحامي الشيخ ثاني ال ثاني ..قانونيون ومختصون يناقشون بمجلس قبة الابتكار اليات اعتماد الاثبات الجنائي الحديث وكبح جماح الذكاء الاصطناعي
-
نائبة ايزيدية تشتكي وزيرة الهجرة لدى السوداني والأمم المتحدة وتتهمها بالابتزاز
-
اللوم الأكبر” على جابرو.. لجنة نيابية تنتقد تغاضي السوداني عن تفقد “قضية العراقيين”