القدس المحتلة ـ حسن مواسي
يحي فلسطيني الـ48 اليوم الأربعاء، الذكرى الـ40 ليوم الأرض الخالد 1976، بإضراب عام دعت إليه لجنة المتابعة العليا لشؤون فلسطيني الـ48، ويتخلله إقامة مهرجانين رئيسيين في كل من عرابة، وقرية أم الحيران في النقب، والتي لا تعترف بها السلطات الإسرائيلية.
واشتعلت أحداث يوم الأرض الخالد في الثلاثين من آذار عام 1976، بموجب قرار من لجنة الدفاع عن الأراضي، رداً على قرار حكومة الاحتلال بمصادرة 21 ألف دونم من أراضي الجليل بهدف التهويد، وإصدار أوامر بالإعلان عن منطقة المل، في مثلث يوم الأرض: «عرابة، دير حنا، وسخنين»؛ منطقة عسكرية مغلقة يمنع أهلها من القرى الثلاث من دخولها للعمل وفلاحتها، وتحويلها إلى أراض مخصصة للتدريبات العسكرية.
وأعلن رئيس بلدية الناصرة الراحل توفيق زيّاد في ذلك الحين في اجتماع خاص عقدته لجنة الرؤساء السلطات المحلية العربية، الإضراب العام احتجاجا على مصادرة الأراضي العربية، وشكل يوم الأرض أول نقطة تحول في العلاقة بين فلسطينيي الـ48 والمؤسسة الحاكمة في إسرائيل.
أجواء يمينية متطرفة
وتحل الذكرى الـ40 ليوم الأرض في ظل أجواء يمينية متطرفة وبامتياز، على كل المستويات ومناحي الحياة العامة، وهي أجواء تترجمها القوى اليمينية الشريكة في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، إلى تشريعات جديدة وتعديلات مختلفة في القانون، بالإضافة إلى حملات لا تتوقف على منظومات ديموقراطية وحريات أساسية عامة، وعلى مكانة فلسطيني الـ48 وحقوقهم بشكل خاص.
وأقرت الكنيست في السنوات الأخيرة سلسلة من القوانين العنصرية والاقصائية التي تستهدف الأقلية القومية الفلسطينية، والتي كان أخرها قانون الإقصاء الذي أقرته الكنيست ليل الاثنين ـ الثلاثاء، وهو واحد من سلسلة قوانين تم تفصيله على مقاس المواطنين العرب، ويتناقض مع حقوق الإنسان وأُسس ديموقراطية أساسية مثل الحق بالمساواة أمام القانون، حرية التعبير، حق التظاهر ومبدأ فصل السلطات.
العنصرية والإقصاء كسياسة ممنهجة
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أنَّ هذه الموجة اليمينية هي إنتاج من جديد لفلسفة يمينية كامنة في صلب التجربة الإسرائيلية منذ إقامة دولة إسرائيل عام 1948، يقودها ويحرّكها ويدفع بها بقوة إلى الواجهة، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم.
فمنذ ولايته الأولى كرئيس للوزراء 1996 ـ 1999 اتبع نتنياهو هذا الخط، فقبل عشرين عاما كان شعاره عشية انتخابات عام 1996: «نتنياهو جيد لليهود»، وهي الانتخابات التي جعلته للمرة الأولى رئيسًا للوزراء. وقد تحوّل هذا الشعار رويدًا رويدًا إلى مقدّمة لخطاب قومي عنصري وغير ديموقراطي تم تتويجه بانتصار اليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة وانتقال حزب المستوطنين «البيت اليهودي» إلى مركز اتخاذ القرار في الدولة.
المؤسسة الحاكمة تسعى لإعادة رسم حدود علاقتها بفلسطينيي الـ48
ومن خلال قراءة ومتابعة الشأن الإسرائيلي الداخلي، كان واضحاً تماما أنَّ المؤسسة اليمينية الحاكمة تسعى إلى إعادة ترسيم مجمل حدود علاقاتها بالأقلية العربية في إسرائيل، وفرض معادلة جديدة أو متجدِّدة، تكرّس فوقية قومية يهودية مُقوننة دستوريًا من خلال انتقاص معلن من مكانة الأقلية العربية ومن حقوقها، لا سيما الحقوق الجماعية منها، إذ تحول شعار نتنياهو في انتخابات الـ96 الآن من سمات حكم نتنياهو منذ تصريحه العنصري يوم الانتخابات الأخيرة للكنيست الـ20 عن هرولة العرب إلى صناديق الاقتراع.
ومن الواضح أنَّ إسقاطات قوننة العنصرية تهدف إلى النَّيل من مكانة المواطنين العرب من خلال التحريض العنصري المتواصل بغية سحب شرعيتنا كأقلية وطن أصلانية ـ مولودة، وضرب أحقيتهم بالتأثير على المستوى السياسي واليومي.
ويمكن تشخيص عدة توجهات في هذه الموجة العنصرية، أبرزها، المسّ بحقوق المواطنين العرب من قبل الهيئة التشريعية من خلال تشريعات عنصرية وفي مركزها هذه الأيام قانون طرد النواب العرب.
ويأتي هذا القانون استمرارًا لقوانين تم سنها في الحكومة الأخيرة، وخصوصاً قانون حظر إحياء النكبة، قانون لجان القبول، أو «لجان التمييز» في السكن، والآن محاولة تشريع قانون يحظر الأذان بمكبرات الصوت في المساجد.
ضرب ابسط حقوق الإنسان في إسرائيل
وأخيرا يمكن تلخيص ما يمر به فلسطيني الـ48 وما تقوم به الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، يهدف إلى المس بحرية التعبير، ونرى ذلك مثلًا في تشريع «قانون المقاطعة» الذي يفرض غرامات باهظة على كل من يدعو إلى مقاطعة إسرائيل ومؤسساتها وجامعاتها، بالإضافة إلى سياسات وزارة المعارف المتمثلة بسحب كتب تعليم تتعرض لموضوع النكبة، وبالمقابل تأكيد على صهيونية الدولة ويهوديتها من خلال فرض مضامين جديدة على المدارس في المدنيات والتاريخ، إلى جانب التحريض والتضييق على مؤسسات حقوق الإنسان في إسرائيل من خلال اقتراحات القوانين حول تقييد ومراقبة التبرعات، واعتماد حملات إعلامية ودعائية تشويهية مناهضة لجمعيات حقوق الإنسان والعمل ضدها في المحافل المحلية والدولية.
فاليمين لا يسعى إلى التضييق على عمل مؤسسات حقوق الإنسان، بل يسعى بالجهد نفسه إلى منعنا من التواصل مع المجتمع الدولي وطرح قضايانا من خلال منابره.
وضمن هذا السياق، نشهد المس بمبدأ فصل سلطات الحكم والتقييد من صلاحيات مؤسسات المراقبة والمحاسبة، وخصوصاً محاولات تشريعية وحملات تحريض تهدف لإبطال قدرة المحكمة العليا على إلغاء تشريعات تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وأخرى تمسّ باستقلالية الجهاز القضائي عامة، وغيرها من القضايا اليومية التي تخص المواطنين العرب في الأراضي المحتلة، وتمس بشرعيتهم.