بقلم احمد الياسري
مفهومُ الدولة بشكله العام هو المعنى الذي تنطلق منه مجموعة من السياقات والإجراءات التي توافق ذلك المعنى، وبالتالي تنصهر في ذاتياته مكوّنةً قوة الدولة ومركزيتها. لكن هذا المفهوم يتعرض بين الحين والآخر الى توليد بعض الإجراءات التي من شأنها أن تقف في وجه المصالح الخاصة لبعض المكونات السياسية، وهنا تكمن حقيقة الالتزام بهذا المفهوم من عدمه.
هل هناك من يتعاطى بشكل طبيعي للإجراء المغاير لمصالحه؟ حتى اذا كان في سياق الدولة؟ ام سوف ننتفض ونحوّل مسار الدولة الى فهمنا الشخصي في تفسير حالة المغايرة والمواءمة؟ وهذا ما نجده صريحاً ونحن نواجه المنعطف السياسي الحالي والذي كانت بدايته انتخابات مختلفٌ في نزاهتها، مروراً بالانسداد السياسي لمحاولة طرف معيّن الهيمنة على المشهد وصولاً الى مقاطعة جزء فاعل من المشهد السياسي.
اذن هنا كانت المواقف مقياساً واضحاً لمن يؤمن بالدولة مهما كانت مخرجاتها، ومن يؤمن بالدولة التي تتفق مع مصالحه الشخصية ولا بأس بان نصوغ مقارنة تبين لنا تَشكّل هذه الحالة وكيف تمظهرت.
بعد مشهد الاعتراض على النتائج كان الفريق المعترض مستنفذاً كل قواه من اجل بيان حالة الخلل التي اعترت الانتخابات من قبيل بيان الثغرات الفنية والقانونية والنزول للشارع بشكل سلمي والاستمرار بالسلمية رغم تعرضهم للمجابهة وسقوط الشهداء، لكن حين صدر قرار الدولة والذي مثلته المحكمة الاتحادية لم يكونوا الا منصتين ومنفذين لأن خطر المخالفة هو نهاية ما تبقى من قوة هذه الدولة، وهذا الموقف هو دليل قوة القضاء وتماسكه وايضاً انسجام الطرف المتضرر مع مسار الدولة مهما كانت النتيجة، طبعاً مع ترحيب الطرف الفائز بموقف القضاء وتقديم الشكر بسبب هذا الموقف الثابت.
لكن الملفت أن الطرف المرحب بقرار الاعتراف بنتائج الانتخابات يعود بعد فترة وجيزة ليواجه قرارات القضاء، بل ويطعن بمصداقية القضاء ويتهمه بالمحاباة السياسية على حساب مخالفة قرارات القضاء لمصالحه الشخصية وهيمنته المزعومة.
من خلال هذا المثال الذي عشناه بواقعنا المؤلم نستطيع ان نعرف المؤمن بمسار الدولة بأنه من يرضخ لمقررات الدولة مهما كانت نتائجها، لان الإيمان بالدولة لن يسمح بتقبل مفردة ورفض الاخرى، فالدولة هي الدولة.