بغداد – الراصد 24
لجأ اكراد العراق بعد ان ضيقت حكومة بغداد الخناق عليهم اقتصاديا الى خيارات صعبة من خلال اقدامهم على تصدير النفط الكردي دون المرور بالحكومة الاتحادية في مؤشر يدلل على اهتزاز الثقة برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وقدرته على ابقاء العراق غير قابلا للتقسيم.
ويضع الاستقلال الاقتصادي لاقليم كردستان مستقبل البلاد وبقاءها موحدة على المحك في ظل انتشار تنظيم داعش وسيطرته على اجزاء واسعة من البلاد وخروجها عن سلطة الحكومة المركزية لاسيما ان الخطوة الكردية تحمل في طياتها انعكاسات تشي بان المزاج العام في اقليم كردستان يسير بخطوات هادئة ومدروسة نحو الاستقلال التام عن العراق على الرغم من وجود عوائق تتمثل بالخلافات الداخلية بين الاحزاب الكردية الرئيسية.
ولاينكر قدرة اكراد العراق على انتهاز الاضطراب الامني والفوضى السياسية والانقسام الطائفي في الجزء العربي من العراق الذي مكنهم من توسيع رقعة منطقتهم لتضم مدينة كركوك التي يوجد فيها مخزونات نفطية كبيرة ومناطق اخرى متنازع عليها يمكن ان تجعل الدولة المستقلة التي يحلم بها كثيرون قادرة على البقاء اقتصاديا.
فحكومة إقليم كوردستان اعلنت اخيرا عن استقلالها في بيع نفط الإقليم دون الرجوع الى الحكومة الاتحادية في بغداد وهو مايعني ان عائدات النفط المالية سوف تحول بصورة مباشرة الى وزارة المالية والاقتصاد في حكومة الاقليم اذ قال رئيس لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي عزيز عبد الله أن “حكومة إقليم كردستان باشرت في مطلع تموز (يوليو) ببيع نفط الإقيلم وكركوك بصورة مباشرة دون الرجوع إلى بغداد وهذا بداية تقسيم العراق”.
اما المتحدث بإسم حكومة إقليم كوردستان سفين دزيي فقد اكد أن “الاقليم قام بهذه الخطوة لمعالجة المشكلة المالية وضمان عدم تأخر رواتب الموظفين” مشيرا الى ان “الحكومة التركية طمأنت إقليم كردستان بالاتفاقية المبرمة بين الطرفين وانها لن تفتعل إي أزمات أو عراقيل في مسألة بيع أربيل للنفط دون الرجوع إلى بغداد”.
وعلى الرغم من ان الاستقلال التام عن العراق تعتريه صعوبات جمة حاليا الا ان الاستقلال الاقتصادي قد يكون مدخلا له لكنه يواجه عقبات داخلية واخرى تتعلق بالحاجة الى علاقة تكاملية مع دول المنطقة وقبولا منها للدولة الوليدة التي يخطط لها الاكراد وسط منطقة مضطربة امنيا وسياسيا وتشهد هزات وتحولات كبرى لكن المؤكد ان اقليم كردستان نجح بنسج خطوط تواصل وعلاقات مهمة مع دول كثيرة.
ويقول المحلل الستراتيجي حسين علاوي رئيس مركز أكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية ان ” قرار اقليم كردستان بتصدير النفط مباشرة دون الرجوع الى الحكومة يهدف للضغط على بغداد لرفع سقف المطالب التفاوضية فكردستان ليس لديها نفط اشارة والعالم يتعامل بنفط الاشارة ولحد الان تواجه تحديات جسيمة في هذا المجال ” مشيرا الى ان” الادارة الامريكية لاتشجع على تصدير النفط من الاقليم ولن تقبل او تسمح بذلك كونها اصدرت عدة بيانات تحذر الشركات الامريكية من الاقدام على هذه الخطوة”.
واضاف علاوي في تصريح (الراصد 24) ان ” الاطراف الاقليمية والدولية تعيد الان حساباتها السياسية فتركيا مثلا وسياستها المقبلة تجاه الاقليم ستكون عبر الحكومة الاتحادية العراقية فحتى الاستقلال الاقتصادي من غير الممكن تطبيقة والاكراد جربوا ذلك الخيار منذ 2007 ولغاية الان ولم تنجح السياسة النفطية في حل الازمة المالية للاقليم”
وعن الاثار السياسية للخطوة الكردية وامكانية ان تمهد لاستقلال الاقليم عن العراق اكد رئيس مركز اكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية ان” الاجندة الدولية لاتحمل الان اي فكرة للتقسيم واي طرف في العراق عندما يفكر في التقسيم فانه يتناوله من ناحية محلية وليس دولية ” منوها الى ان “البيئة الدولية لاتتيح هكذا خيار بالرغم من وجود افكار بهذا الشان لكن حتى الان لايوجد من سياسات تشجع على خطوة الانفصال”.
وبحسب الاتفاق الموقع بين بغداد وأربيل والمثبت في الموازنة المالية للعام الحالي فان اربيل ملزمة بتصدير 250 الف برميل يوميا من نفط اقليم كردستان و300 الف برميل من نفط كركوك عبر شركة سومو التي تشرف عليها الحكومة الاتحادية لكن بسبب عدم التزام الحكومة المركزية بارسال المستحقات المالية لحكومة اقليم كردستان خفضت حكومة الاقليم صادراتها عبر سومو الى 149 الف برميل يوميا.
ويبدو ان الملفات الموروثة منذ عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي مازالت تلقي بضلالها على الواقع السياسي وشكل العلاقة بين بغداد واربيل، فالمالكي والاكراد خاضا معاركا سياسية قادتهما الى الافتراق دفعت الاكراد لمساندة اي جهد لمنع المالكي من تولي السلطة مرة اخرى وهو ما اثمر تولي العبادي لرئاسة الحكومة لكن الاخير لم يتخذ القرارات التي ينتظرها الاكراد لتتراكم المشاكل بل ربما تتفاقم بشكل كبير قد يجعل الجميع امام مفترق طرق ان اخفقوا بالتوصل الى حلول ناجعة .
ويرى سعود هاشم مدير معهد كردستان للطاقة ورئيس تحرير مجلة وزة (طاقة ) الكردية ان ” اقليم كردستان و حكومة بغداد لم يستطيعا ادارة الملف النفطي وجعله عامل تقارب بين بغداد و اربيل “.
واضاف هاشم في تصريح (الراصد 24) ان “حكومة نوري المالكى وبعدها حكومة حيدر العبادي لم يتمكنا من تفهم التطورات الحاصلة في القطاع النفطى بكردستان فسرعان ما اصبحت ادارة نفط من اهم نقاط الخلاف وجعل النفط يتحول الى ورقة ضغط سياسي بين اربيل و بغداد”.
واشار الخبير النفطي الكردي “كان هناك تفاهم اواتفاق حكومة اقليم كردستان و بغداد بشان تصدير 550 الف برميل يوميا لكنه اتفاق يفتقر الى تناول الجانب الفنى ومشكلة النفط بين بغداد و اربيل تكمن في قرارات مسبقة من قبل حكومة بغداد التى يقف ضد اي توجه للاستثمار او خطوات اقليم كردستان للتنقيب و التطوير و تصدير نفط لذا فالمشكلة ليس في كمية النفط المصدر او حجم انتاج النفط في الاقليم بل في رغبة بغداد بالسيطرة على ملف النفط و التحكم به”.
ولفت هاشم ان “اقليم كردستان قرر تصدير النفط الخام بشكل مستقل و بدون رجوع الى حكومة المركز كرد فعل على حكومة المركز لتاخرها وعدم ارسال حصة الاقليم من ميزانية 2015 وعدم دفع مستحقات الشركات العاملة في كردستان” كاشفا عن “وجود الكثير من الشركات الامريكية والصينية والخليحية التي ابدت استعدادها بان تشتري نفط كردستان كدولة و ليس كاقليم ، فقطاع النفط بكردستان وصل الى مرحلة لايمكن رجوع عنها”.
ويرى سعود هاشم مدير معهد كردستان للطاقة ان” الاستقلال الاقتصادي سيعزز من الاستقلال سياسي فالخطوة الكردية بخصوص النفط تعتبر مخرجا من ازمة خلقها العبادي الذي لن يمكن له التحكم بنفط كردستان مجددا ، لافتا الى ان”مسقبل كردستان مرهون بتعامل امريكا والدول الاوروبية و العربية في قطاع الطاقة وخلال هذه الفترة سجلنا تعاملا ايجابيا تجاه خطوات الاقليم في قراره بالاستقلال الاقتصادي”.
وبحسب الخبير النفطي الكردي فان مكانة اقليم كردستان على مستوى دولي ستتعزز بعد خطوة تصدير النفط مشيرا الى ان” هذة الخطوة تثبت بان العراق اصبح ينقسم عمليا الى 3 اقاليم ( اقتصاديا) واذا استمرت بغداد بذات النهج والسياسة فان المناطق السنية بعد مرحلة داعش ستخطو ذات خطوات اقليم كردستان لان المناطق سنية لديها مقومات اقتصادية لاعلان اقليمها واستثمار ثرواتها طبيعية” .
ويرمي الاكراد الكرة في ملعب حكومة بغداد ويحملونها نتائج الخطوات الكردية او مايمكن اللجوء اليه مستقبلا لضمان الخروج من المأزق الاقتصادي والتخلص من قيود مفروضة عليهم دون ان يغفلوا ان خطوة الاستقلال الاقتصادي ستعزز من تحركاتهم الرامية للاستقلال عن العراق.

مصافي نفط كردية
كردستان : الاستقلال الاقتصادي مفتاح بوابة الانفصال عن العراق
مقالات ذات صلة
-
العضو الفخري لجمعية “إعلاميون”.. عقاب العبيوي: برؤية ولي العهد.. المملكة رقمًا صعبًا وعضو رئيسًا وفاعلًا ليس بG20 بل في الساحة الدولية قاطبة
-
العضو الفخري لـ “إعلاميون”.. عادل الشاعر: ولي العهد أعطى زخمًا وأبعادا عالمية غير مسبوقة لقمة الـ 20
-
بارزاني و علاوي يؤكدان على حل المشاكل بين اربيل وبغداد قبل تفاقمها