بغداد – الراصد 24
تزاحم المصلون لحجز مقاعدهم بعد ان كان التراب يغطيها لاكثر من خمسة اعوام وعلت محياهم الفرحة وغطى السرور الارجاء وهم يسمعون قرع اجراس كنيسة أم الأحزان في منطقة الشورجة وسط بغداد مجددا بعدما ان ملكت القلب غصة وهم يرون ابوابها مزنجرة بالسلاسل على اثر تصاعد اعمال العنف في العراق.
وكسر مسير المئات من المسيحيين في ازقة الشورجة ببغداد القديمة، رتابة الحياة اليومية المزدحمة بالضوضاء وتدافع المتبضعين في اسواقها التجارية، فتلك الازقة الضيقة وشوارعها فارقت منذ سنوات خلت مشهد توافد مسيحيي بغداد بازياءهم الملونة على الكنيسة.
وتحتل (كنيسة ام الاحزان) مكانا مهما في شورجة بغداد منذ اكثر من 170 عاما وتضم في ثراها قبر البطريرك مار بولص شيخو وهو ما جعلها ترتبط روحيا بالمسيحيين او احياءهم التي تجاورها واهمها “عكد النصاري” الذي هجره سكانه ليتحول الى سوق لبيع الاجهزة الكهربائية لكن بقاء قبة الكنيسة التي يميزها الصليب كان شاهدا على التنوع الديني الذي تميزت به بغداد منذ مئات السنين .
ومع ان الفرح كان السمة الابرز التي رافقت افتتاح الكنيسة لاول مرة منذ سنوات الا ان عودتها مجددا الى الحياة كانت متزامنة مع احياء سلسلة من المأسي التي خيمت على يوميات المسيحيين منذ مجازر المسيحيين (سيفو) في تركيا قبل قرن من الزمان مرورا بالذكرى الثامنة لاغتيال المطران فرج رحو في مدينة الموصل وانتهاءا بالحوادث الفضيعة التي ادت الى جلاء الالاف من المسيحيين عن موطنهم في الموصل وسهل نينوى بعد هجوم شنه تنظيم “داعش” المتطرف في حزيران من العام الماضي .
ومنح حضور البطريرك مار لويس ساكو وعدد من الاساقفة الكاثوليك والكهنة وشخصيات بارزة منها برلمانية وحكومية مسيحية وعن منظمات المجتمع المدني زخما ذا دلالة عن اهمية الحدث في هذه المرحلة العصيبة التي يراد فيها دفع مسيحيي العراق الى مغادرة بلدهم .
وقال البطريرك لويس ساكو في كلمة له خلال الاحتفال الذي حضرته (الراصد 24) ” نستذكر في هذا القداس الأيام العصيبة التي عاشها اجدادنا الكلدان والاشوريين والارمن والسريان في مذابح سيفو قبل مئة عام وما نعيشه اليوم منذ سقوط النظام أذ جرى قتل أكثر من 1200 مسيحي من بينهم مثلث الرحمات المطران فرج رحو ورفاقه والكهنة الخمسة الاباء بولص أسكندر ورغيد كني ويوسف عبودي وثائر عبدال ووسيم صبيح، فضلا عن وقوع مذبحة كنيسة سيدة النجاة وأستهداف 62 كنيسة وتهجير أكثر من 100 الف مسيحي مدني من الموصل وبلدات سهل نينوى وتهديدهم واذلالهم وسلب اموالهم وحرق تراثهم وشطب تاريخهم وهم اهل البلد الأصلاء” .
وأضاف الزعيم الروحي للمسيحيين ” أننا متألمون من الوضع الماسوي الذي يعيشه البلد لكننا متمسكون بالرجاء المتجدد وبثقتنا بالله وبالمسيح مخلصنا وبدماء شهداءنا ولنقدم على تمسكنا بمسيحيتنا وبوطننا وتاريخنا وتراثنا مهما كان الثمن والتمسك بميثاق العيش المشترك وبالمسلمين أخوتنا الذين نبقى نحبهم حتى لو وجد بينهم من يضطهدنا لان هذا أيماننا وهذه اخلاقنا ولن نحيد عنهما ” .
ومع أن البطريرك ساكو اكد على الاخاء والمواطنة وحرية الفرد والاحترام من دون تمييز البعض على حساب الاخر، لكنه أعتبر أن المشكلة مرتبطة بالتيارات الاسلامية المتطرفة التي ترفض العيش المشترك مع غير المسلمين وتعمل على اضطهادهم وأقتلاعهم من بيوتهم، مشيرا الى أن الامر مقلق ويتطلب من الحكومات والمرجعيات الدينية المحافظة على النسيج الوطني المتمثل بالاشخاص والجماعات على اختلاف دياناتهم وانتماءتهم وصون العلاقات والحقوق وحماية الطيف الاجتماعي وهذا يتطلب ارادة حقيقة وقراءة عميقة للدين وللسياسة ولبرامج التربية .
ونفذت مجازر “سيفو” وتعني السيف بالسريانية والتي نفذتها السلطات العثمانية ضد المدنيين الارمن والسريان والكلدان والاثوريين بعد الحرب العالمية الاولى وادت الى مقتل مئات الآلاف منهم ونزوح الاخرين من مناطق سكناهم الأصلية جنوب شرق تركيا حاليا الا ان الحكومات التركية المتعاقبة ترفض الاعتراف بالمجزرة و تندد بكل من يعترف بها من الدول او يزور نصبها التذكاري في ارمينيا.
وبقيت اجواء السكينة والهدوء تخيم على الحاضرين اثناء صلاتهم وتراتيلهم التي يتردد صداها بين جدران الكنيسة فيما اتكأ اخرون من شدة الزحام على اعمدتها الرخامية لكن الجميع كان يصلي بيقين لتحرير القوات العراقية لمناطق عدة من الوطن والدعاء بالصبر للنازحين الذين يعيشون اوضاع ماساوية حتى تمر محنتهم بسلام .