بغداد – الراصد 24
تسير نجيبة عبد الله (80 سنة) بخطى وئيدة نحو تمثال للسيدة مريم العذراء يتوسط باحة كنيسة ماريوسف للسريان الكاثوليك في منطقة المنصور الراقية (غرب بغداد) للصلاة بان تنتهي محنتها والاف الفارين من مناطقهم المسيحية في سهل نينوى (شمال العراق) ليتمكنوا من الاحتفال بالعام الجديد القادم في كنائس قراهم الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش.
ويعتري العجوز المسيحية كغيرها من قومها الدهشة والصدمة ازاء ما حصل لهم على يد الجهاديين المتشددين الذين نفذوا واحدة من اسوء موجات النزوح والهجرة القسرية التي شهدها العراق ومنطقة الشرق الاوسط منذ عقود في مشهد لن يمحى من ذاكرتهم بسهولة.
وتقول السيدة عبد الله التي تقف قرب شجرة الميلاد وسط الكنيسة التي ازدانت بمظاهر الزينة،” لم اكن افكر يوما ان احيي طقوسي ، بعيدا عن بلدتي الصغيرة فالذي حدث لم يكن في البال ابدا ولم يحدث سواء في العهد الملكي او الجمهوري او حتى في عهد الرئيس الاسبق صدام حسين لكن المتشددين جاءوا وقتلونا ونهبوا ممتلكاتنا واجبرونا على النزوح عن ديارنا ولم نعد نقيم الاحتفالات في كنائسنا”.
وتضيف في حديثها لـ (الراصد 24) ان” جماعة داعش ارتكبوا كل الاعمال الشائنة ضدنا فماجرى مؤامرة على الوجود المسيحي في العراق وماحدث في بعشيقة وقرة قوش والمناطق المسيحية الاخرى يهدف الى اجبار المسيحيين على الهجرة لكن على المسيحيين ان يتحملوا المصائب كما تحمل السيد المسيح الالام وان لايفكروا بالهجرة والبقاء ببلدهم متعايشين مع المسلمين الذين يعانون كما نعاني نحن”.
وتشير العجوز المسيحية التي بدت متعبة لما واجهته من مصاعب اثناء هروبها من بلدتها ان”ضعنا صعب اذ مررت برحلة نزوح شاقة دامت شهرين من بلدتي بعشيقة ومنها الى اربيل حتى وصلت لبغداد لاقيم في منزل ولدي حيث تركت بيتنا كبيرا املكه في بلدة بعشقة وكان عامرا ومحطة لتجمع افراد العائلة “.
ولاتخفي السيدة الثمانينية حزنها على فقدانها لحاجيات تملكها ذات دلالات روحية حيث تقول “سرقوا ذكرياتنا في بعشقة ولست حزينة على ما تم سرقته من منزلي لكني حزينة جدا على تمثال من المرمر الابيض للسيدة العذراء اضعه في البيت واصلي امامه”.
وتؤكد بنبرة فيها تحدي ” رغم المصاعب انا مؤمنة بانني ساحتفل بالعام المقبل في بلدتي بعشقة بعد طرد جماعة داعش”.
وكحال العجوز المسيحية يبدي مسيحيو نينوى الهاربين من احكام التنظيم المتشدد حرصهم على الاحتفال باعيادهم الدينية في اماكن نزوحهم حيث نقلوا عاداتهم المحلية وتقاليدهم الخاصة بميلاد السيد المسيح او القديسين المكرمين لديهم التي كانوا يمارسوها في كنائسهم الى اديرة وكنائس بغداد وكركوك واربيل لكن انظارهم ترنو باتجاه من ينقذهم ويعيدهم الى ديارهم التي سكنوها منذ الاف السنين .
و أجبرت احداث سقوط الموصل في 10 حزيران (يونيو) الماضي قرابة 150 الف عائلة الى النزوح وترك بيوتها وممتلكاتها فيما يشهد العراق يوميا نزوح العشرات من المسيحيين خارج وطنهم .
ويقول المونسنيور بيوس قاشا الخوري المشرف على الكنيسة ان ” كنيستنا قدمت كل التسهيلات للنازحين من سهل نينوى ووفرت كافة الاجواء للاحتفالات الدينية التي كانت تقام في البلدات التي احتلها داعش” مشيرا الى ان ” ما تقوم به الكنيسة يعزز لدى النازحين الامل بالعودة الى الاديرة والكنائس فما تم تدميره سيتم بناءه “.
ويضيف رجل الدين المسيحي الناشط في توفير كافة احتياجات الهاربين من جحيم داعش انه “رغم الالم سنرسم البسمة على وجوه النازحين ونقيم باستمرار الصلاة والقداس ” لافتا الى ان ” هناك استعدادات نقوم بها من اجل عودة النازحين المسيحيين الى ديارهم وتهيئتهم نفسيا لتجاوز الحالات التي تتعلق بمن قام بتهجريهم وسرقة ممتلكاتهم والاندماج من جديد في المجتمع الذي يحيط بهم فالمسيحية تغفر وتسامح “.
واكد المونسنيور بيوس قاشا “في داخلنا امل بالعودة سنقيم صلوات ولقاءات التعارف بين العوائل وتبادل الهدايا وسنواصل توزيع المساعدات “.
وتعرض مسيحيو العراق خلال العقد الماضي الى حملات من العنف الدموي والتهجير على اساس ديني شنتها جماعات مسلحة متطرفة على مناطقهم وبلداتهم مما دفع بالالاف منهم الى الرحيل عن العراق الى دول الجوار ولاسيما الاردن وسوريا ولبنان كما فتحت العديد من الدول الاوروبية ابوابها لاستقبالهم في خطوة مازالت تثير انتقادات واسعة في اوساط رجال الدين في الطوائف المسيحية في العراق لخشيتهم من افراغ الشرق من المسيحيين.
ورغم هول المأساة التي سببها تنظيم “داعش” الا ان اغلب العائلات المهجرة تتمسك بالتعايش المسيحي – الاسلامي فهم لا يحملون ضغينة على شركائهم المسلمين في العراق الذين يرون انهم ايضا ضحية فكر متشدد دخيل لكنهم يتمسكون بحق العودة الى بلداتهم وطي صفحة مؤلمة من تاريخ الوجود المسيحي في العراق والشرق عموما.