من متابعة الاداء السياسي في العراق وخلال السنوات التي تلت اقرار الدستور والى يومنا الحالي، اي طيلة عقد ونصف، نجد ان مشاكل النظام السياسي وازماته تتعاظم مع كل دورة انتخابية.
ان احدى اكبر مشاكل النظام السياسي تتمثل بان الدستور ، الذي كتب بخطوطه العامة واحيانا الغامضة دون الدخول في الجوانب التفصيلية على امل قيام مجلس النواب باستكمال بنيانه من خلال تشريعات لاحقة يصدرها وهذا مالم يتحقق، تعرض هو نفسه ليس الى عدم الاستجابة لمطالبه التي نص عليها فحسب، ولكن للتجاوز على نصوصه وضوابطه فتم ارتكاب خطيئتين في ان واحد.
من ساهموا في كتابة الدستور كانوا محكومين بعوامل عديدة جعلتهم مضطرين لجعل الدستور جامداً من ناحية وغامضاً في عبارته من ناحية اخرى، فلم تصمد نصوصه امام عواصف المشكلات التي ظهرت وهي غالبا نتيجة عدم التوافق بين القوى السياسية وهو امر تفاقم عبر السنوات ليتوسع الى احزاب المكون الواحد.
لم يكن من طريق امام غير المتوافقين الا الالتجاء الى المحكمة الاتحادية، وهنا ايضا، وامام غموض النص الدستوري، اصدرت المحكمة الاتحادية مضطرة احكاما هي اقرب ما تكون الى التشريع، وكان الاولى تأتي قرارات المحكمة بشكل اخر، وذلك ان تطلب من مجلس النواب اصدار تشريع يفصل ما هو غامض او ان اضطرت الى اصدار حكم ان تثبت ان هذا حكم موقت بحكم غموض النص الذي يحتمل ان يكون بأوجه عدة، وان الحكم لا يغني عن قيام مجلس النواب اصدار تشريعات لمعالجة تلك القضايا.
ومع التزام الجميع باحترام قرارات المحكمة الاتحادية، الا انها لم تسلم من الاتهام بالتحيز السياسي كما حصل في اللغط الذي صاحب الحكمين الاخيرين الذين صدرا عنها حول ترشيح الاستاذ هوشيار الزيباري وقانون نفط كردستان.
نظامنا السياسي اليوم بات اعرجاً يتكئ على عصا المحكمة الاتحادية في كل مشكلة يواجهها.
لذلك لا بد من اعادة نظر في الامر، ويعاد طرح الاسئلة نفسها التي واجهت من كتب الدستور عام ٢٠٠٥، ولكن ينبغي في هذه المرة جمع خيرة خبراء العراق في شؤون التشريع بمهمة ماراثونية لإحداث تعديلات دستورية وصياغة قوانين لها طابع الثبات استناداً إلى رؤية متفق عليها حول العراق ونظامه السياسي.
احد اهم التساؤلات تلك المتعلقة بالنظام الاتحادي الذي يتقاطع الى حد بعيد مع كثير من التشريعات القائمة، وكيف نجعله نظاماً عاماً يشمل العراق كله لا نظاماً استثنائياً لإقليم كردستان، وكيف نجعل هذا النظام عنصر وحدة للعراق لا عامل تفتيت له؟!
وقد يكون من المناسب اعادة تشكيل لجنة كتابة الدستور مِن بعض مَن سبق لهم المشاركة في صياغته وعدد مماثل من خبراء واساتذة التشريع مع فريق كفوء لاستطلاع الرأي وندوات حوارية حول كل باب من ابوابه.