بغداد ـ متابعة الراصد 24 …
عند دخولك خان المدلل في ساحة الميدان ببغداد حيث سوق هرج او سوق (الانتيكات)، ستجد صورة الملك فيصل الثاني الى جانب صورة الزعيم عبد الكريم قاسم، كلاهما معروضتان للبيع والاقتناء، وهنا كما يحدث مع جميع من يدخل الخان ترى متحفا تراثيا وبعرض يومي دائم لم يتوقف على مدى عقود من السنين سوى في أيام الارهاب التي شهدتها العاصمة بغداد بعد العام 2003.
سحر اواني النحاس ولمعانها تملأ جوانب عدة من السوق الذي تأسس في اربعينيات القرن الماضي، غير ان خان المدلل أنشئ مطلع القرن الماضي، مع بداية بناء خانات بغداد ومنها خان اللاوند وخان جغان، وصار خان المدلل انذاك تجمعا ثقافيا مشهورا حتى ان كوكب الشرق ام كلثوم غنت فيه مرتين الاولى اغنية (قلبك صخر جلمود) للراحلة سليمة مراد، والثانية لبغداد في زيارتها الاخرى لها عام 1946.
حليم العزام ذو (60) عاما، احد رواد هذا المكان ومن عشاق التراث البغدادي، قال “أزور هذا المكان باستمرار باحثا عما تبقى من اعمال الصاغة والصفارين البغداديين قبل خمسينيات القرن الماضي، لان الكثير من اعمالهم فُقدت، أجمعها لانها تحاكي تراث العراق في فترات محددة، فهي تحمل صبغة اما سياسية او فلكلورية او فنية”.
كما يبحث الكثير من المقتنين عن اشياء نادرة قد تكون سجادة ارضية انيقة او اثاثا منزليا غريب الصنع وزخارف او قطعا للزينة او مسبحة يد، كذلك البعض يبحث عما يلبي احتياجاته الخاصة، التي لا يجدها الا في سوق هرج داخل خان المدلل.
الموسيقي سعد السلامي يقول “هوايتي هي البحث بين الانتيكات فأجد اجهزة راديوات او مسجلات او الات موسيقية اعمارها تتجاوز المئة عام او اقل، لا يعرف الكثير قيمتها، فاشتريها، لاضعها في متحفي الشخصي الخاص في البيت”.
اصحاب محلات الانتيكات هواة ايضا بعضهم الى جانب عملهم الطبيعي، حيث يخصصون ايام العطل لمزاولة هواية التبضع والاقتناء مع مهنة شراء وبيع وتداول الادوات العتيقة التي غالبا ما تحاكي التراث البغدادي القديم، لكن بصناعات مختلفة وحقب زمنية متعددة وبعضها محلي.
ويؤكد احد اصحاب محلات سوق هرج للمقتنيات الحاج عبد الله الكرخي، أن “هذا السوق يرتاده المئات يوميا، ويزدحم بالالاف ايام العطل من كل اسبوع، وعملنا مختص بالادوات والاغراض والحاجيات القديمة والعتيقة فقط التي تبلغ اعمارها من (50) عاما فما فوق، فنشتري ونبيع ثريات وساعات وكرستال وذهبا قديما وفضة واواني طعام وتحفيات واخشابا وصورا وغيرها، كانت في قصور الملوك او بيوت المشاهير في بغداد والعالم”.
وبالنسبة لاسعارها اوضح أن “الاسعار تختلف حسب الفترة الزمنية والنوع والصناعة”، مشيرا الى أن “بعض الانتيكات تُشترى وتباع بالاف الدولارات وهناك العديد من اصحاب المحلات يتاجرون بها، وفي بعض الاحيان ترسل الى مزادات عالمية”.
وكيل وزارة الثقافة لشؤون السياحة والاثار الدكتور قيس حسين قال إن “خان المدلل، انشئ عام 1906، وقد سمي بهذا الاسم نسبة الى عائلة (المدلل) في بغداد انذاك”، مؤكدا أن “الخان كان لخزن البضائع والسكن للزائرين من خارج بغداد، ثم ومع مرور الزمن تحول الى فندق، ثم صار تجمعا ثقافيا مع بداية الاربعينيات، الى ان رممته الحكومة العراقية عام 1989، ليصبح تابعا لامانة بغداد، ويكون مجمعا تجاريا خاصا بالانتيكات والمقتنيات العتيقة التي تحكي تراث وتاريخ بغداد والمحافظات والعراق بشكل عام، وقد زار هذا المكان معظم رؤساء العراق وسفراء الدول في بغداد والوفود العربية والاجنبية في شتى المجالات واهمها الثقافية والفنية”.
واضاف أن “وزارة الثقافة ومن خلال امانة بغداد ولجنة الثقافة في مجلس محافظة بغداد اعدت خططا لتطوير هذا المكان التراثي البغدادي قريبا”.