بغداد – الراصد 24
أنا بخير ومش بخير”.. بهذه الكلمات وصفت هنا عليوة حالها وأسرتها مع تجربة النزوح من منزلها في مدينة غزة إلى “اللامكان” في مدينة رفح. وهو حال آلاف من سكان شمال قطاع غزة، ممن اضطر إلى النزوح، ليلاحقه الموت والدمار إلى “النصف الجنوبي” من القطاع، إذ زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه أكثر أمنا من نصفه الشمالي.
لا مكان آمن فوق أرض غزة وتحت سمائها، تقول عليوة والنازحون من مدينة غزة وشمالها إلى مدن جنوب وادي غزة، بعد إنذار جيش الاحتلال لهم في سابع أيام حربه على القطاع، فتشتت شمل الأسر والعائلات، حتى “فاضت” منازل الأقارب والأصدقاء ومراكز الإيواء في مدن الجنوب بنازحي الشمال.
نزحت عليوة مع زوجها وأطفالها الثلاثة في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، من حي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة، وهو أحد أكثر الأحياء التي تعرضت لغارات جوية مكثفة، على “غير هدى” وإلى “وجهة غير معلومة” في جنوب وادي غزة، حيث استقر بها المقام في مدينة رفح أقصى مدن القطاع الساحلي الصغير على الحدود مع مصر.
لا مكان محدد يستقر به النازحون إلى مناطق جنوب القطاع، بعد أن هجروا من منازلهم بدافع الخوف، وتشتتوا في الشوارع والميادين العامة، قبل أن يستقر الحال بالغالبية في مراكز الإيواء.
ويعرف عن مناطق جنوب القطاع أنها الأشد فقرا، حيث لا بنية تحتية أو مرافق وفنادق يمكنها استيعاب تدفق مئات آلاف النازحين إليها من مناطق الشمال.
وتشير تقديرات رسمية للمكتب الإعلامي الحكومي إلى أن مليونا و400 ألف نسمة، بنسبة تصل إلى 70% من سكان القطاع الذين يقدر تعدادهم بنحو 2.3 مليون نسمة، قد نزحوا من منازلهم ومناطق سكنهم، سواء إلى مناطق الجنوب، أو إلى مناطق أخرى داخل المدينة الواحدة.
منازل كالقبور
يتعاظم الشعور بالخوف والعزلة داخل المنازل، مع انقطاع الكهرباء كليا، وتدني خدمات الاتصالات والإنترنت جراء دمار ناجم عن الغارات الجوية لحق بمنشآت ومرافق حيوية ومحطات إرسال، ولجأت هنا عليوة إلى حيلة لطمأنة أقاربها ومحبيها، ولعدم قدرتها على الرد على استفساراتهم عن أحوالها كتبت مقالا، وبعثته عبر رسائل نصية قصيرة إلى شقيقها في بلجيكا، ومنحته إمكانية المرور إلى حسابها الشخصي على منصة “فيسبوك” ونشره.
وباتت تفاصيل يومية صغيرة وروتينية بمثابة “مهام معقدة وشبه مستحيلة”، مثل شحن الهواتف النقالة، أو العثور على مكان تتوفر به خدمة الإنترنت، أو توفير مياه الشرب وكذلك المياه اللازمة للنظافة والاستخدام المنزلي.
ووسط هذا الحجم من الألم والمعاناة، تعتبر عليوة وأفراد أسرتها من المحظوظين لمجاورتهم منزلا تتوفر به كهرباء عبر الخلايا الشمسية، يلجؤون إليه لشحن هواتفهم النقالة، وبطارية صغيرة تستخدم لإضاءة المنزل خلال ساعات الليل الموحشة، بحسب وصفها.
وتمتلك عليوة شركة إنتاج إعلامي في غزة، اضطرت إلى إغلاقها مع النزوح وشدة الغارات الجوية وخشيتها على حياة أفراد طاقمها، ورغم أن الحرب قلبت حياتها رأسا على عقب، فإنها لا تتمنى حاليا سوى “الخروج سالمة بأسرتها من هذه الحرب المجنونة”، وتتوق إلى ما وصفته بـ”الاستيقاظ من كابوس النزوح والعودة إلى منزلي في غزة”.